إنما سميت الدنيا لأنها دنيئة فهي إذا حلت أوحلت، وإذا أينعت نعت، وإذا أقبلت أدبرت، وإذا وهبت سلبت، وإذا رضيت سخطت.
قال بعض الشعراء في الدنيا وحالها:
حكى شيخٌ من العرب فقال:
بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع الحميري بهدايا، فمكثتُ شهرًا لا أصل إليه، ثم بعد ذلك أشرف إشرافة من كُوَّة، فخرَّ له مَن حول القصر سُجَّدًا، ثم رأيته من بعد ذلك وقد هاجر إلى حمص واشترى بدرهم لحمًا، وسمطه خلف دابته؛ وهذه الأبيات:
أف للــــــــــدنيا إذا كـــانت كذا أنا منها في بــــلاء وأذى
إن صفا عيشُ امرئٍ في صبحها جرعته ممسيًا كأس القذى
ولقد كـــــــنت إذا ما قــــيل من أنعم العالم عيشًا قـيل ذا
وسمع حكيم رجلًا يقول لآخر:
لا أراك الله مكروهًا،
فقال: كأنك دعوت عليه بالموت،
فإن صاحب الدنيا لابد أن يرى مكروهًا.
وقال ابن عيينة(زاهد في الدنيا من العصر العباسي):
الدنيا كلها غموم،
فما كان فيها من سرور فهو ربح.
كان علي بن الحسين زين العابدين يتمثل بهذه و يقول :
و من يصحب الدنيا يكن مثل قابض *** على الماء خانته فروج الأصابع
كان أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول اللهم إني أسألك سلوا عن الدنيا و مقتا لها فإن خيرها زهيد و شرها عتيد و صفوها يتكدر و جديدها يخلق و ما فات فيها لم يرجع و ما نيل فيها فتنة إلا من أصابته منك عصمة و شملته منك رحمة فلا تجعلني ممـــن رضي بها و اطمأن إليها و ولا تثق بها فإن من اطمأن إليها خانته و من وثق بها غرته و لقد أحسن من وصفها بقوله :
رب ريح لأناس عصفت *** ثم ما إن لبثت أن سكتت
و كذا الدهر في أطواره *** قدم زلت و أخرى ثبتت
و كذا الأيام من عاداتها *** إنها مفسدة ما أصلحت
و قال غيره :
لا تحرصن على الدنيا و من فيها *** و احزن على صالح لم يكتسب فيها
و قال آخر :
و اذكر ذنوبا عظاما منك قد سلف *** نسيت كثـــــــرتها و الله محصيها
اللهم لا تجعل الدنيا مبلغ همنا.