نُعِـدُّ الْمَشْرَفِيَّـةَ وَالْعَـوَالِي وَتَقْتُلُنَا الْمَنُـونُ بِلا قِتـالِ (1)
وَنَرْتَبِـطُ السَّوَابِقَ مُقْـرَبَاتٍ ومَا يُنجِينَ مِنْ خَبَبِ اللَّيالِي (2)
وَمَن لَّمْ يَعْشَقِ الدُّنيا قَدِيمًا؟! ولَكِـن لاَّ سَبيلَ إلَى الوِصالِ (3)
نَصيـبُكَ فِي حَيَاتِكَ مِنْ حَبيبٍ نصيبُكَ فِي مَنَامِكَ مِنْ خَيَالِ (4)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وَأفْجَـعُ مَن فَقَدْنَا مَن وَّجَدْنَا قُـبَيْلَ الفَقْدِ مَفْقُـودَ الْمِثالِ (5)
يُدفِّـنُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَّتَمْشِي أَوَاخِرُنَا عَلَى هَامِ الأَوَالِـي (6)
وَكَـمْ عَيْنٍ مُّقَبَّلَةِ النَّواحـي كَحِيـلٌ بِالجَنَادِلِ والرِّمالِ (7)
وَمُغْضٍ كَانَ لا يُغْضِي لِخَطْبٍ وبالٍ كَانَ يَفْكُرُ فِي الهُزَالِ (
ـــــ // الشَّرح // ــــ
(1) نعدُّ السُّيوف والرِّماح لمنازلة الأعداء، ومدافعة الأقران، ولكنَّ المنيَّة تقتُل مَنْ تقتله منَّا بلا قتال، فلا تُغني عنَّا تلك الأسلحة شيئًا.
(2) نرتبط الخيل لننجوَ عليها إذا دَهَمنا حادثٌ، ولكنَّها لا تُنجينا مِن غارة الدَّهر؛ لأنَّه يُدْرِكنا حيثما كُنَّا.
(3) النَّاس مِن قديم الزَّمان مولَعون بحبِّ الدُّنيا والبقاء فيها، ولكنْ: لم يتمتَّعْ أحدٌ مِن وصالها إلى اليوم؛ لأنَّها لا تدوم على أحدٍ.
(4) الحياة كالمنام، ولذَّتها كالأحلام؛ فحظُّكَ مِن حبيبٍ تتمتَّع به في اليقظة كحظِّكَ مِن خيالٍ تتمتَّع به في النَّوم؛ لأنَّ كلتا الحالَتَين تنقضي كأنْ لَمْ تَكُنْ.
(5) أشَدُّ المفقودين إيلامًا للفاقد مَن كانَ في حياتِه مَفقودَ النَّظير؛ فإذا ماتَ؛ لَمْ يَجِدْ فاقدُهُ عِوضًا يتسلَّى به عنه.
(6) الحيُّ منَّا يدفنُ الميِّت، والمتأخِّر يمشي على رأس المتقدِّم؛ أي: يطأ تربته بعد دفنه، غير مُبالٍ بِمَن تحتها.
(7) كَم عينٍ كانَتْ تُقَبَّلُ إعزازًا وإكرامًا، فصارَتْ تحت الأرض مكحولةً بالحجارة والرِّمال.
(
وكم مَنْ أغْضَى للموتِ عينَه، وكان لا يُغضيها لِخَطْبٍ ينزل به، وَمَن أصبحَ باليًا تحت التُّراب، وكانَ إذا رأى في جسمه هُزالاً يشتغلُ قلبه به، ويُفَكِّر في مُعالجَتِه.
[العَرْف الطَّيِّب (2/19، 24)].