خطبة بعنوان " دور جمعية العلماء المسلمين في النهضة"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نفعكم الله ونفع بكم
الحمد لله رب العالمين .....أما بعد :
تكوّنت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على أيدي عصبة من طلاّب العلم، تركوا الديار و الأهل وخرجوا يتلمّسون العلم في المشرق، و هناك نالوا مرادهم، فحصّلوا منه ما يؤهلّهم لحمل مسؤولية عظيمة و خطيرة، بل نالوا فيه الدرجات العلى و فاقوا أقرانهم، ثمّ جرت الأقدار على أن يجتمعوا هناك على غير ميعاد، فاتفقوا و تشاوروا على ما يكون من أمرهم إن هم رجعوا إلى أهليهم، فانتهى بهم أن يؤسسوا جمعية تلمّ جميع أهل العلم وتكون منبرًا لأفكارهم الإصلاحية.. و تمرّ الأيام و السنون بعدها، وجاءت احتفالات فرنسا المستفزة في الجزائر لتحيل آمالهم إلى واقع ملموس، فساعتها اجتمعوا ليعلنوا ميلاد جمعيتهم المباركة، و رأت النور في 16 من ذي الحجة 1350 هـ.
يقول شاعر الجزائر و الثورة، مفدي زكريا:
جمعية العلماء المسلمين، ومَن **** للمسلمين سواكِ اليوم منشودُ
خاب الرجا في سواك اليوم فاضطلعي **** بالعبء، مُذ فَرَّ دجَال و رعدِيدُ
أمانة الشعب، شُدَّت بعاتقكم **** فما لغيركم تُلقى المقاليدُ
و أما عن رسالتها التي أتت حاملة إياها فقال أحدهم عنها :"إنّ رسالة جمعية العلماء التي تأسست لتحقيقها، هي ترشيد الشعب الجزائري إلى فهم ذاته، والتكيف بها إلى ما ينهض به من كبوته، وتحريره من الاحتلال الفرنسي الجاثم على صدره منذ قرن، وذلك ببث الوعي الإسلامي الوطني في صفوفه، بإحياء مقومات شخصيته بالتربية، والتعليم، والوعظ والإرشاد؛ فيعتصم بعقيدته الإسلامية مطهرة من الخرافة والإلحاد ، ويُحي لغته العربية في لسانه وقلمه، ويستنير بتاريخه الحافل بالأمجاد، ويتسلح بوحدته الوطنية ، ويطرد من نفسه الخوف من قوة العدو المحتل ، واليأس من رحمة الله ونصره، ويُشمر على ساعد الجد بتوفير كل ما يقدمه ويُرقيه في جميع المجالات الحياتية، ويرفع شأنه في العالمين.."[4]
وأما عن ركائز الاصلاح لجمعية العلماءالمسلمين
فقد أدركت أنّ سبيل الخلاص من الاستعمار هو تخليص الشعب أولا، و بعدها يتخلّص هو بنفسه منه، فقد نجحت إلى حدّ بعيد في مقاومة التغريب و الفرنسة و قطع اليد المحتالة التي تسعى لاستئصال الهوية المسلمة العربية من الجزائري، وصنيعها كان مقدّمة وإرهاصا للعمل الثوري المسلّح الذي كانت تؤمن به، غير أنّها لم تكن ترى أنّ أوانه قد حان، يقول العلامة البشير الإبراهيمي:"إن البلاء المنصب على هذا الشعب المسكين، آت من جهتين متعاونتين عليه، أو بعبارة أوضح من استعمارين مشتركين، يمتصّان دمه ويفسدان عليه دينه ودنياه : استعمار مادي هو الاستعمار الفرنسي.. واستعمار روحاني يمثله مشايخ الطرق المؤثّرون في الشعب، والمتغلغلون في جميع أوساطه، والمتّجرون باسم الدين، والمتعاونون مع الاستعمار عن رضى وطواعية. وقد طال أمد هذا الاستعمار الأخير، وثقلت وطأته على الشعب، حتى أصبح يتألم ولا يبوح بالشكوى.. خوفًا من الله بزعمه. والاستعماران متعاضدان، يؤيد أحدهما الآخر بكل قوته، وغرضهما معًا تجهيل الأمة، لئلا تفيق بالعلم.. وتفقيرها، لئلا تستعين بالمال على الثورة.. وإذن فلقد كان من سداد الرأي أن تبدأ الجمعية بمحاربة هذا الاستعمار الثاني لأنه أهون وهكذا فعلت" [5].
أحييت بـالعلم شعبـا سيق معظمـه **** للقبر في كفـني جهـل وإهمـال
وجئت بالنـور فـي يمنـاك تـرفعه **** تجلو الغياهب عن أبصار ضـلال
هل كنت(عيسى) الذي أحيا الرفـاة بما **** أحيا وبدل آجـالا بـآجــال؟
أم (البشير) الذي ألقـى القميص على **** يعقوب طبـا بنور للأسى جالي؟
أم (البشير) الذي ألقى العظـات على **** شعب الجزائـر مرموقـا بإجلال؟
لقد كانت سياسة فرنسا الاحتلالية في الجزائر تعتمد على محاور أهمها: [size=21]التجهيل، والتنصير، والتفقير، و الفرنسة، و التجنيس. و لذلك فقد كان مشروع جمعية العلماء هو رد الفعل العكسي لهذه السياسة والمناهض لها. و يكفي دلالة في ذلك اقتران نشأتها سنة 1931 باحتفال فرنسا بمناسبة مرور قرن على احتلالها للجزائر و استتباب الأمن فيها لصالح السلطة العسكرية. و بقي دوائر تردّد أسئلة، وهل نجحت في مقاومة التغريب والفرنسة و الاستئصال الثقافي و الحضاري !وهل كان فعلها الثقافي مقدمة لصناعة الفعل الثوري !
أما أهمّ الثغور التي هي ركائز الإصلاح عند جمعية العلماء المسلمين:
1) العقيدة:
العقيدة هي أمّ القضايا، و القطب الذي تدور عليه كل المسائل، فلا هوادة فيها و لا تقبل الأخذ و الرد.
وقد أخذت جمعية العلماء على نفسها أوّل ما أخذت إصلاح العقيدة، و ذلك بتخليتها و تحليتها، أي تصفيتها مما شابها من عقائد منحرفة، ثم تربية الجيل على العقيدة الصحيحة، و يوضّح هذا الأمر العلامة الإبراهيمي في معرض الردّ على من قلّل من شأن هذا الأمر بقوله:" وقد يظنُّ الظانُّون وتنطق ألسنتهم بهذا الظنّ، أنّ هذه المنكرات التي نحاربها ونشتدُّ في حربها هي قليلة الخطر، ضعيفة الأثر، وأنّنا غلونا في إنكارها، وأنفقنا من الأوقات والجهود في حربها، ما كان حقيقاً أن يصرف في ناحية أخرى أهمّ، كالإصلاح العلميّ؛ وفات هؤلاء أنَّ اللوازم القريبة لتلك المنكرات التي تشتدُّ الجمعيّة في محاربتها التزهيدُ في العلم وإفساد الفطر وفشل العزائم، وقتل الفضائل النفسيّة، وإزالة الثِّقة بالنَّفس من النَّفس، وتضعيفُ المدارك وتخدير المشاعر، وهي رذائل لا تجتمع واحدة منها مع ملَكة علميّة صحيحة، فكيف بها إذا اجتمعت. فكان من الحكمة أن تبتدئ الجمعيّة بتطهير النُّفوس من الرذائل، وأن تجعل مِن صرخاتها عليها نذيرًا للنَّاشئة أن تتلطَّخ نفوسهم بشيء من أوضارها"[6] .
و يقول الطيب العقبي –و كان من أشدّ الناس حرصا في أبواب المعتقد-:"هذا، وإنّ دعوتنا الإصلاحيّة قبل كلِّ شيء وبعده هي دعوة دينيّة محضة ... وهي تتلخَّص في كلمتين: أن لا نعبد إلا الله وحده، وأن لا تكون عبادتُنا له إلا بما شرعه وجاء من عنده"[7] .
و جاء القانون الأساسي للجمعية حاملا لهذا الأصل الأصيل، فقد جاء فيه:" والعقيدة الحقَّة لها ميزان دقيق وهو الكتاب والسنَّة. فإذا عرضنا أكثر عقائد النَّاس على ذلك الميزان وجدناها طائشة، فأيُّ سبيل نسلكه لتقويمها؟ إن اقتصرنا على بيان العقيدة الصحيحة واجتهدنا في إقامة الأدلَّة، فإنّ التَّأثير يكون قليلاً، لأنَّ النُّفوسَ قد اصطبغت بعوائد وتقاليد مستحكمة، والفِطَرَ قد فسدت بما لابسها من خرافات وأوهام. فالواجب إذن أن نبدأ بمحاربة تلك البدع والخرافات بطُرق حكيمة تقرُب من أذواق النَّاس، فإذا ماتت البدع والخرافات، وصَفَت الفطرُ من ذلك الشَّوب سَهُل تلقين العقيدة الصَّحيحة وتلقَّتها الأمَّة بالقبول"[8] .
و نضال جمعية العلماء المسلمين في هذا الباب مشهود تدريسا و تأليفا و إرشادا و تحذيرا، فكانت الدروس تلقى و مواضيعها لا تبتعد عن العقيدة، و المقالات في الجرائد تكتب و لا تصبّ إلا في مجرى العقيدة.
فلقد صحّح ابن باديس عقائد الناس فحارب الطرقية التي نشرت الشرك وعبَّدت الناس للمشايخ ولفرنسا، وحارب عقيدة الإرجاء التي يقول أصحابها الإيمان قي القلب فضيعوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحارب عقيدة الجبر التي جعلت من فرنسا قدرا محتوما لابد من الرضا به، وجعلت الناس في ذلك الزمان يقولون :نأكل القوت وننتظر الموت، أحيا في قلوب الناس عقيدة الولاء والبراء التي تقي المسلم من الذوبان في محبة الكفار وتقليدهم والتي هي من أسباب العزة والتمكين.[9]
2) اللغة العربية:
يقول الأديب الرفيع الرافعي : "لا جرم كانت اللغة هي الهدف الأول للمستعمرين، فلن يتحول الشعب أول ما يتحول إلا من لغته، إذ يكون منشأ التحول من أفكاره وعواطفه و آماله، و هو إذا انقطع من ننسب لغته انقطع من نسب ماضيه، و رجعت قوميته صورة محفوظة في التاريخ، لا صورة محققة في وجوده، فليس كاللغة نسب للعاطفة و الفكر، حتى إن أبناء الأب الواحد لو اختلفت ألسنتهم فنشا منهم ناشيء على لغة، و نشأ الثاني على أخرى، و الثالث على لغة ثالثة، لكانوا في العاطفة كأبناء ثلاثة على آباء"[10]
و من ثمّ أدرك الاستعمار الفرنسي في الجزائر أنه لا سبيل لإبعاد الجزائري عن قرآنه إلا بانتزاع اللسان العربي من جوفه حتى لا يكاد يقرأه، و إن قرأه يكاد لا يعقله. فقد كانت بصماته تتجلى في (استعمار لغوي) يتمثل في مسخ لسان الإنسان الجزائري؛ الذي يبكي قلبه حين يريد أن يترجم عن خلجات فؤاده بالعربية، فيتعثر به اللسان فلا يملك إلا أن يلعن الاستعمار...!!
هذه البصمات وتلك تتناثر هنا وهناك يلعنها الجزائري المسلم في أعماقه المسلمة العربية، ويترجم عنها بلسانه الذي يتأرجح بين العربية والفرنسية، ويحاول جهده التخلص منها كبقايا استعمارية، ويتجشم في سبيل ذلك ما لا يعلمه إلا الله.
قد أتى تركيز جمعية العلماء المسلمين قويا على اللغة العربية، فأحيت دراسة متونها كالآجرومية والألفية، و حثّت الطلبة أن لا يتخاطبوا و لا يتكاتبوا إلا بها، و شجعتهم على التأليف بها في الجرائد و الكتب و غيرها، و نظّمت المسابقات في قرض الشعر و غيره، و بذلك قدرت أن ترجعها إلى الألسن، و ذاع صيت أدبائها إلى الخارج، و أثنى عليهم أمراء البيان في المشرق.
3) التاريخ:
و هو الجسر الذي يربط بين حاضر الأمة و ماضيها، و قد عملت فرنسا كل جهدها لترسّخ في الأذان فرنسية الجزائر، و اعتبرتها ولاية تابعة لها، و قد نالت شيئا من منها بعد أن غسلت أدمغة هذا الشعب بعد تجهيله، ثم كتبت عليهم ما شاءت.
كان عبد الحميد بن باديس صريحا وجريئا وحكيما أيضا، ومن ذلك أنه لما قال بعض النواب الجزائريين سنة 1936 وهو فرحات عباس!!!: « الجزائر هي فرنسا وإنه على الجزائريين أن يعتبروا أنفسهم فرنسيين » و قال :« إنه فتش عن القومية الجزائرية في بطون كتب التاريخ فلم يجد لها من أثر وفتش في الحالة الحاضرة فلم يعثر لها على خبر ». تصدّى له ابن باديس رحمه الله تعالى قائلا :"إننا فتشنا في صحف التاريخ وفي الحالة الحاضرة ، فوجدنا الأمة الجزائرية المسلمة متكونة موجودة، كما تكونت ووجدت أمم الدنيا كلها . ولهذه الأمة تاريخها الحافل بجلائل الأعمال ولها وحدتها الدينية واللغوية ولها ثقافتها الخاصة وعوائدها وأخلاقها بما فيها من حسن وقبيح شأن كل أمة في الدنيا ، ثم إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت"
قد وعت جمعية العلماء أن عليها أن توقظ الذاكرة في الشعب الجزائري و ترسم له تاريخه الصحيح، وذلك بتذكيره بإسلامه و عروبته، يقول العلامة عبد الحميد بن باديس في ذلك:
شعب الجزائري مسلم **** وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله ***** أو قال مات فقد كذب
) الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى:
ذكرى على مر الزمان تَكَرّر **** لمجاهدين جهادهم لا ينكر
لقد اهتم العلماء بربط شعبهم بأمتهم الكبرى و لم يحصروا مجهودهم في تحرير الجزائر و حسب، بل ذكروهم أنه عضو من جسد، فكل ما آذاهم يؤذي إخوانهم و كل ما يؤذي إخوانهم يؤذيهم، و لذلك نجدهم قد تفاعلوا بشدّة مع قضايا الأمة الكبرى خاصة فلسطين، فقد كانت عندهم أمّ القضايا الإسلامية، فقد نالت حيّزا كبيرا من إنتاجهم، و أبى عبد الحميد بن باديس أن تسمى بفلسطين الشهيدة، و نعته أنه ذوق صحفي بارد، و أما الابراهيمي فذلك الذي عاش في القضية و عاشت فيه
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم ونفعنا بما فيه من الايات والذكر الحكيم وأستغفر الله العظيم .
واتّخذت لمقاصدها وسائل جمّة، ينبغي الوقوف عندها و دراستها دراسة صادقة حتى يستفاد منها في الحاضر ، فهي دعامة كل شرارة تريد تحرير أوطانها من أيادي المغتصبين، ومن أهمها:
1ـ التعليم:
الإحصائيات المتوفرة بعد قرن من الاحتلال تشير إلى ضآلة عدد الأطفال المتمدرسين خلال الفترة الاستعمارية الذي كان لا يتجاوز الخمسين ألفا، موزعين علي 625 مدرسة حكومية، في حين كان ما يقرب من نصف المليون طفل محرومين من نفس الفرصة نظرا لقلة المقاعد المدرسية. و لعل ما زاد الطين بلّة زيادة على تكريس سياسة التجهيل هذه هو إحجام بعض أولياء الأمور من إرسال أبنائهم إلى تلك المدارس التي كانت برامجها لا تخلو من نشر الإلحاد و تزييف الحقائق التاريخية إضافة إلى منع اللغة العربية فيها و الدين الإسلامي.
في المقابل فقد استطاعت الجمعية خلال عشرين سنة من وجودها في تأسيس عدد 150 مدرسة ومعهدا تتوزع على كامل الإقليم الجزائري. و قد بلغ عدد تلاميذها ما يزيد عن خمسين ألف ولد وبنت على مستوى القطر، يقوم على تنشئتهم ما يقرب من ألفي معلم، و هو ما كان ينافس جهاز الدولة. وبالرغم من قلة الإمكانات فقد نجحت الجمعية في مواصلة تعليم عدد من متخرجيها من خلال الثانوية الوحيدة بقسنطينة.
و دعمت جمعية العلماء رسالتها في التعليم إلى جانب المدارس إنشاء المساجد والنوادي الثقافية و إرسال البعثات إلى بلاد الإسلام المتقدمة و كذا تأسيس الكشافة الإسلامية.
2ـ الصحافة:
و لم يقتصر عمل الجمعية على التعليم فقد كان نشاط أفرادها القلائل يتوزع على الدروس العامة بالمساجد و إصدار عدد من المجلات و الجرائد مثل السنة و الصراط و البصائر و الشهاب و غيرها بالإضافة إلى العمل السياسي السري.
ففي سبيل تكوين أكبر أرضية يمكن أن تصل إليها الروح الجديدة لم يكتف الشيح بالخطب والمحاضرات؛ بل شجع الشيخ الصحافة العربية والإسلامية؛ التي كانت تجد كل عنت من السياسة الفرنسية وعملائها.. ومن هنا فقد قام الشيخ نفسه بإصدار مجلة (الشهاب) وجريدة (التقدم) كما ساعد في تحرير جريدة صديقه الشيخ البشير الإبراهيمي (البصائر) وفي مجلات السنة، والشريعة، والصراط وجريدة المرصاد.. وغير ذلك من المجلات والجرائد التي تسير مع طريق الشيخ، وطريق جمعية العلماء المسلمين.
3ـ التأليف:
و هو لم يكن من غاياتها و لا من مقاصدها ابتداءا، و يفسّر ذلك العلامة الابراهيمي بمقولة عظيمة في معناها أنه اشتغل بتأليف الرجال عن تأليف الكتب، و لذلك كان تراثهم المكتوب ضئيلا عدا المقالات التي كانت سلاحهم [11]، و لكنهم نوّعوا فيه، حيث نجدهم قد أعطوا للعقيدة و التفسير و باقي العلوم الدينية حيّزا كبيرا، و ألّفوا في التاريخ و اللغة و الشعر، و تركوا ذخرا علميا لا يستهان له، يحتاج إلى دارسة و تدقيق.
4ـ الاهتمام بالاقتصاد:
وذلك قصد تحقيق الاستقلالية و حتى لا يحتاج لفرنسا، و ذلك أنها –أي فرنسا- كانت تستغل الفقر لابتزاز الشعب، و معظم التجار كانوا من اليهود، فلذلك أسسوا جمعية التجار المسلمين
.
قال تعالى : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ..."
الدعاء...
الرجوع الى أعلى الصفحة
الشيخ زوهير
الشيخ زوهير
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
عدد المساهمات: 103
نقاط: 274
السٌّمعَة: 0
تاريخ التسجيل: 06/04/2010
مساهمة رقم 2
رد: خطبة بعنوان "دور جمعية العلماء المسلمين في النهضة"
مُساهمة من طرف الشيخ زوهير في الأحد أبريل 11, 2010 9:39 am
الكلام عن جمعية العلماء المسلمين يطول وهو كلام ذو شجون ولذا أردت إضافة بعض المقتطفات لعلها تنفع الداعية في التعريف بالجمعية و علمائها
بمرور مائة سنة كاملة على الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830-1930 م)، أبت إدارة الاحتلال إقامة احتفالات ضخمة تخليداً لحدث الغزو، وتجديداً للجراج والمآسي والمظالم والانتهاكات التي ارتكبتها – ظلماً وعدوانًا – في حق الشعب الجزائري، ومبالغتها في محاربة اللّغة العربيّة والدّين الإسلاميّ والتّمكين للتّخلّف الذهنيّ والشّعْبَذة لدى النّاس، وتشجيع ممارسات وطقوس فلكلوريّة ليست من الدّين الصّحيح في شيء إلى حدّ الهوَس. فاشتداد تأثير الحركات الصّوفيّة المنحرفة، وازداد نشاطها، وتكاثر طرائقها حتّى جاوزت العَشرَ، واكتسحت جميع المدن والقرى، بل البوادي أيضا.. فأمست تصول وتجول، فلم يكن شيءٌ يُتداول بين مستنيري النّاس غير الفكر الصّوفيّ الذي لا يجاوز سِيَر الشّيوخ وكراماتهم؛ وميل أهل التّصوّف، من عوامّهم خصوصاً، إلى الإغراق في الخرافات، والكلَف الشّديد بالخوض في أمور الغيب على سبيل اليقين، والتّعلّق المثير بمَشاهد البَرَكة والمناقب والكرامات.
ولكن ورغم هذا التحدي الحضاري الجارح، ورغم هذا الاستظهار للقوة. وقف العلماء وفي مقدمتهم الإمام ابن باديس وأخوه في النضال الشيخ الإبراهيمي، ليقطعوا بوقفتهم الرسالية، وموقفهم التاريخي سكون الوطن، وسكوت أهله، وليقطعوا على الاستعمار استكباره على المستضعفين في أرض الجزائر. فباجتهاد منهم يذكر الشيخ الإبراهيمي في مقاله الذي ترجم فيه تاريخ كفاحه الوطني أن الإدارة الفرنسية كانت أعدت عدتها لكي يستغرق هذا الاحتفال ستة أشهر، ودعت الدنيا كلها : "استطعنا بدعايتنا السرية، أن نفسد عليها كثيرًا من برامجها. فلم تدم الاحتفالات إلا شهرين. واستطعنا بدعايتنا العلنية، أن نجمع الشعب الجزائري حولنا، ونلفت أنظاره إلينا". ليأتي الرد الحضاري العلمي، على التحدي الهمجي الفرنسي السافر، من طرف الحركة الإصلاحية بعد جهود مضنية لروادها في ميدان التربية والتعليم، إعداداً وتكوينًا للناشئة، وتخريجاً للطلبة والأساتذة، وإيجاداً للقاعدة الشعبية الناضجة المؤهلة لتقبل ظهور حركة إصلاحية جهادية جمعوية واحتضانها وإنجاحها.
تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
بعد محاولة تأسيس جمعية الإخاء العلمي سنة 1924 م، وبعد أن انطلق عمل الرواد في الميدان وفي مناطق مختلفة من الوطن سنة 1928 م، يمهد الأرضية المناسبة والشروط الضرورية، لانطلاق تأسيس جمعية. طلعت الشهاب في عدد مارس من سنة 1931 م ببيان، تضمن دعوة عامة إلى تكوين جمعية العلماء – كما يقول الشيخ الإبراهيمي – : "دعونا فقهاء الوطن كلهم، وكانت الدعوة التي وجهناها إليهم صادرة باسم الأمة كلها ليس فيها اسمي ولا اسم بن باديس، لأن أولئك الفقهاء كانوا يخافوننا لما سبق من الحملات الصادقة على جمودهم، ووصفنا إياهم بأنهم بلاء على الأمة، وعلى الدين لسكوتهم على المنكرات الدينية، وبأنهم مطايا الاستعمار، يذل الأمة ويستعبدها باسمهم"(1).
ولم يكن من السهل في أن ذاك لم شمل العلماء والفقهاء، وجمعهم تحت سقف واحد ومؤسسة واحدة، تتحمل أعباء جسيمة، ذلك أن علماء الجزائر كانوا مختلفين في أصل نشأتهم وتكوينهم، فاختلفت اتجاهاتهم في التفكير ووسائلهم في العمل.
ورغم تعدد المشارب والمنازع لهذا الجمع من العلماء وأهل العلم، لقيت دعوة الشهاب استجابة واسعة في أوساطهم، وأوساط الأمة عامة، ولباها وحضر اجتماع التأسيس اثنان وسبعون عالماً بالحضور، ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية (مالكيين وإباضيين، مصلحين وطرقيين، موظفين وغير موظفين، كما حضر الاجتماع طلبة العلم من مختلف جهات الوطن)، واعتذر بالكتابة والقبول نحو خمسين عالما آخرين، ويصف الشيخ الإبراهيمي كيف نجح هو وبن باديس في اجتذاب العلماء والفقهاء إلى الجمعية، فيقول : "فاستجابوا جميعًا للدعوة واجتمعوا في يومها المقررـ ودام اجتماعنا في نادي الترقي بالجزائر أربعة أيام، ولما تراءت الوجوه، وتعالت أصوات الحق أيقن أولئك الفقهاء أنهم مازالوا في دور التلمذة، وخضعوا خضوع المسلم للحق، فأسلموا القيادة لنا فانتخب المجلس الإداري من رجال أكفاء، جمعتهم وحدة المشرب ووحدة الفكرة... ووحدة المناهضين للاستعمار. وقد وكل المجتمعون ترشيحهم إلينا فانتخبوهم بالإجماع وانتخبوا بن باديس رئيسًا.. وأصبحت الآن الجمعية حقيقة واقعة قانونية، وجاء دور العمل"(2).
وتمت صياغة القانون الأساسي للجمعية تبعًا لنظام وقواعد الجمعيات المبينة بالقانون الفرنسي المؤرخ بغرة جويلية سنة 1901 م، ويقول الشيخ الإبراهيمي : إنه هو الذي وضع القانون الأساسي على قواعد من العلم والدين لا تثير شكًّا ولا تخيف. وقد جاء في مائة وسبع وأربعين مادة، وأقره المجلس بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه، وعرض بعدها على الجمعية العامة، فصادقة عليه بالإجماع، وقررت ترجمته إلى اللغة الفرنسية، ليقدم للحكومة التي صادقت عليه ووافقت عليه بعد خمسة عشر يوما فقط من تقديمه.
وهكذا تأسست الجمعية يوم الثلاثاء 17 من شهر ذي الحجة عام 1349 هـ الموافق لـ الخامس من ماي 1931 م، وخرجت إلى الوجود "وهي تشمل على المصلحين والطرقيين والمالكيين والإباضيين. لم ينظر فيها إلى مذهب دون آخر، ولا إلى طريقة دون غيرها. ولا غاية للمصلحين، ولا أمل لهم غير الاتفاق والاتحاد، نظراً لأن الجمعية جمعية علماء، وهي أقرب الناس إلى الحق، وأعرف الناس بطرق التفاهم"(3).
[size=21][b]لمقصد من أعظم مقاصد الجمعية وحثاً لجميع الأعضاء على العناية به كل بجهده، الثاني : أن هذا العبد له فكرة معروفة، وهو لن يحيد عنها ولكنها يبلغها بالتي هي أحسن، فمن قبلها فهو أخ في الله، ومن ردها فهو أخ في الله، فالأخوّة في الله فوق ما يقبل وما يرد، فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى هذا الأصل، وهو أن الاختلاف في الشيء الخاص لا يمس روح الأخوة في الأمر العام"(4).
---------------------------------------------------------------------------------
الهوامش :
1- مجلة مجمع اللغة العربية، ج21 سنة 1966، ص : 143-144.
2- مجلة مجمع اللغة العربية، المرجع نفسه.
3- البصائر، س1، ع46، ص : 2.
4- الشهاب : ج6، م7، غرة صفر 1350هـ جوان 1931 م. انظر أثار