مقدمــــــة
إن لمن دواعي نشأة الدولة هي إما بتجمع جماعة بشرية واستقرارها وبصفة دائمة على إقليم محدد وبتطور هذه الجماعة تصبح وحدة سياسية قائمة بذاتها وتمتاز عن غيرها أو قد تنشا عن تفكك دولة تتكون من عدة دول أو باندماجها يبعضها فتشكل كتلة واحدة ولا يمكن تاريخ ظهور الدولة لان تكوينها يمر بمراحل و أزمنة فهي تلك المجموعة البشرية التي تعيش حياة دائمة ومستقرة على إقليم واحد يسودها تنظيم سياسي موحد، أو هي ذاك الشخص المعنوي الذي يمثل شعب مستقر على إقليم حكاما ومحكومين بحيث يتمتع هذا الشخص بسلطة سياسية ذات سيادة.
- ما هي الأركان التي من شانها أن تقوم عليها الدولة ؟
أركان الدولة:
بينا فيما سبق أن الإنسان يميل بطبعه إلى الحياة والاجتماع مع غيره من بني جنسه، كما بينا أيضا أن هذا الإنسان لا يستطيع أن يلبي حاجاته ورغباته لوحده مما يدفعه إلى التعاون مع غيره بقصد سد تلك الحاجيات ، لذلك وجب تنظيم الأفراد تحت تأثير عامل التعاون وعوامل أخرى فظهرت الدولة ، إذ يرى البعض أن الدولة هي نظام قانوني تترابط أجزاء المجتمع بداخله ترابطا سياسيا، ويرى البعض الأخر بأنها نظام يمثل القوة و السلطة التي يتمتع بها الحاكم ، في حين يرى غيرهم أنها تنظيم يستعين به مجتمع قائم على المساواة بقصد تحقيق وانجاز أهدافه.
ولعل هذه التصورات دليل على مدى تعقيد الظاهرة الاجتماعية التي هي في الحقيقة وسيلة
يلجا إليها المجتمع لتنظيم سلوكه بحيث تقيد معاييرها هذا السلوك ,والغاية من ذلك ليس
تقييد سلوك الأفراد وحقوقهم وحرياتهم بأكثر ما هي تحقيق لأهداف المجتمع الذي يصبو الوصول إليها .إلا أن هذا التنظيم في تطوره خضع لتأثير الأحداث التي عرفها التاريخ فجعله يتغير من شكل إلى آخر حسب متطلبات العصر .
فقد ظهر الشكل الأول للدولة في أثينا وروما وتميزت هذه الدولة في أولها بانعدام تركيز السلطة .
وقد اختلف الفقه اختلافا بينا بشأن تعريف الدولة , والسبب في ذلك يعود إلى التصورات العديدة التي ذكرها أهل العلم وقد نقل الدكتور سعيد بوالشعير أقوال جماعة من الدكاترة تعريفا للدولة
أما تعريف الدولة لدى المسلمين فهي ( امة تؤمن بالعقيدة و الشريعة تقطن أرضا معينة وتخضع لسلطة سياسية عليا تحكم وفق أحكام الشريعة الإسلامية)
وعليه ننتهي إلى أن الدولة عموما هي جماعة من الأفراد تقيم على ارض معينة بصفة مستقرة وتخضع لسلطة سياسية عليا ذات سيادة .
المبحث الأول : الشعب:
أن الشعب هو الركن الأساسي لقيام أي تنظيم أو ظهوره وانه لولاه لما وجدت الدولة لذلك لا يمكن تصور دولة من دون شعب .
فالشعب هو ظاهرة سياسية بمعنى انه يعيش على ارض معينة ويخضع لسلطة سياسية اذ تتوافر ظواهر أخرى كالظواهر الاجتماعية .
وعلى هذا الأساس لا يشترط في الشعب أن يكون امة واحدة فقد يتكون من جزء من الأمة كما هو الشأن بالنسبة للشعوب العربية أو يتكون من عدة أمم كما هو الشأن بالنسبة للشعب الهندي أو من امة واحدة كالأمة الإسلامية.
ويجب عدم الخلط بين الشعب والسكان فإذا كان الأول يقتصر على الإفراد الخاضعين لسلطة وجنسية دولة معينة ويحملون جنسيتها ، فان مفهوم السكان أوسع، لكونه يشمل الأفراد المقيمين على إقليم الدولة سواء كانوا رعاياها أم أجانب.
التمييز بين الشعب والأمة :
كما هو معلوم أن الشعب يتكون من امة أو جزء منها أو من عدة أمم ، وهذا يفيد أن هناك فرقا بين المدلولين ، فالشعب مجموعة من الأفراد تقطن ارض ا معينة ، أما الأمة فهي إلى جانب ذلك تتميز باشتراك أفرادها في عنصر أو عدة عناصر كاللغة والدين والأصل أو الرغبة المشتركة في العيش معا كما يرى بعض الفقهاء.
ونتيجة اختلاف الفقهاء حول تحديد العنصر أو العناصر الرئيسية التي تتكون منها الأمم فان هؤلاء اتجهوا وجهات مختلفة بشان تعريف الأمة نظرا لتباين ظروفهم وأوضاعهم المتأثرة بالظروف والأوضاع السائدة في بلدانهم ، فلا يتصور أن يعتبر المفكر الأمريكي مثلا عامل الأصل هو الأساس في تكوين ألامه, لان المجتمع الأمريكي يتكون من خليط ن الأجناس كما أن المفكر السويسري لا يمكن أن يستند على عامل العرق أو اللغة في تكوين الأمة لان الشعب السويسري ليس متحدا في العرق ويتكلم ثلاث لغات ( الايطالية , الألمانية الفرنسية ) , أو اعتبار العامل الجغرافي أساس تكوين الأمة لدى المفكر الانجليزي لكون الإقليم الانجليزي يتكون من عدة جزر , أو اعتبار عامل اللون أساس تكوين الأمة عند المفكر العربي أو الإسلامي
NATION والحقيقة إن مصطلح الأمة باللغات غير العربية يجد مصدره في كلمة
التي ظهرت في القرن الثالث عشر وكان يفهم منها تجمع أفراد على الأرض معينة ثم أخذت تتضح في القرن الثامن عشر بمفهومها الحالي في فرنسا , فكان يراد بها واقعا سياسيا اجتماعيا ثم انتقل إلى الدولة مما أدى إلى اندماج المفهومين (الدولة والأمة) أثناء الثورة الفرنسية .
ونظرا لاختلاف التعاريف ظهرت عدة نظريات حول الموضوع إلا انه يمكن حصرها في ثلاث , الأولى ألمانية بزعامة الفيلسوف فيخت والثانية فرنسية بزعامة الفيلسوف ارنيست رينان أما النظرية الثالثة فهي ماركسية روسية تبناها رجل الدولة وجدار الاتحاد السوفيتي ستالين
التمييز بين الدولة والأمة:
عرفت الدولة – الأمة "أنها جماعة منظمة بها جهاز سياسي وقانوني مستقل ومتصل بمجموعة بشرية متجانسة ذات عدد معقول مستقرة على إقليم معين , هي الأمة " .
وهنا يثور التساؤل ما إذا كانت الأمة اسبق في الظهور أم الدولة أم أنهما ظهرتا طفرة واحدة ؟
الرأي الأول : الأمة سابقة للدولة:
لقد ساد الاعتقاد قديما وحديثا بان الأمة سابقة الدولة التي لا تظهر إلا بعد تفاعل أفراد الأمة عبر التاريخ تحت تأثير عوامل موضوعية و ذاتية إلى أن تبدو في أوج تفاعلها وتماسكها كمركز قانوني وسياسي هو الدولة ويستدل أصحاب وأنصار هذا المذهب بالدولتين الايطالية والألمانية.
الرأي الثاني : الدولة سابقة الأمة:
خلافا للرأي السابق ساد رأي آخر بعد ظهور دول جديدة مفاده أن الدولة سابقة الأمة ويستدلون بالولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت فيما بعد امة موحدة منفصلة فالدولة تأسست 1787 أما الأمة فلم تأخذ شكلها المتكامل إلا سنة 1918.
وظائف الأمة :
إن الأمة تقوم بوظائف مختلفة تتمثل أساسا في إخفاء التناقضات الداخلية بين أعضائها من صراع سياسي وطبقي....الخ وهذا يعني كبح جماح الاتجاهات الثورية وإضفاء صفة المشروعية أو الشرعية على السلطة الممارسة أو المفروضة من طرف مجموعة أو فئة أو طبقة على الأغلبية كما تساعد الأمة باعتبارها الأساس الاجتماعي المعتمد عليه لفرض شخصيتها المتميزة أمام الدول الأخرى.
المبحث الثاني : الإقليم:
الإقليم هو الركن الأساسي لقيام الدولة بحيث يستقر عليه الشعب أو الأمة بصفة دائمة وتمارس عليه السلطة سلطتها وسيادتها بمفردها دون مشاركة أي دولة أخرى في ذلك وهو كما يعرفه الأستاذ بيردو الإطار العادي لممارسة السلطة لعملها واختصاصاتها.
لا يهم في الإقليم أن يكون صغيرا أو كبيرا ، كما انه لا يقتصر على اليابسة بل يجب أن يشمل ما فوق الأرض وما تحتها والطبقات الجوية و المياه الإقليمية كما يجب أن يكون محددا .
المبحث الثالث: السلطة:
تعريفها:
إن مما ينبغي التأكيد عليه أن السلطة ظهرت بمجرد تمكن شخص أو مجموعة من فرض إرادتها على الغير وهو ما يعني ازدواج العلاقة بين الأمر والطاعة وبالنتيجة الاختلاف بين الأمرين والخاضعين والمؤيدين.
والمؤكد أن اخذ هذه الظاهرة والعلاقات بين الحكام والمحكومين ببساطة يتجافى و الواقع والمنطق نتيجة تعقد العلاقات بين الفئتين ، ذلك انه لا وجود لفئة تحكم بصفة مطلقة وأخرى خاضعة بتلك الصفة وإنما نجد القائد يخضع و المحكوم يقود أحيانا .
والثابت أن السلطة مرتبطة بالثقة والإكراه وهما العنصران اللذان يتفاوتان وفق الجماعات ولكنهما متواجدان مع بعضهما البعض.
السلطة السياسية:
يقصد بها السلطة في المدينة وهذا هو المعنى اللغوي أما الاصطلاحي فيراد بها سلطة الدولة وبذلك فإنها سلطة التنبؤ والدفع والقرار والتنسيق التي تتمتع بها مؤسسات الدولة لقيادة البلاد ومع ذلك فانه من الناحية الواقعية نلاحظ أن السلطة السياسية تبدو ممارسة بصفة شبه كلية من قبل السلطة التنفيذية في حين أن السلطة التداولية (البرلمان) تبدو كمؤسسات رقابية .
وما من شك في إن السلطة السياسية لا تختلف عن السلطة لقيامها هي الأخرى على الأمر والطاعة وهو ما يدفعنا إلى التمييز بين الحكام والمحكومين وان الحكام يفترض فيهم لكونهم اقلية أنهم يعتمدون على ثقة الأغلبية للحفاظ على النظام .
- والمؤكد أن السلطة السياسية ضرورية لقيام الدولة ولكونها الوسيلة التي تستطيع بواسطتها الدولة القيام بوظائفها الداخلية والخارجية بحيث لا ينافسها فيها احد.
أشكال السلطة السياسية:
1- السلطة الاجتماعية المباشرة و هي التي لا يمارسها احد بمفرده ولكن الكل يطيعون ويتصرفون في إطار العادات و التقاليد ، و هذا النوع ساد في العصر القديم نجد شيئا منه في العصر الحاضر .
2- السلطة المجسدة في شخص أو فئة معينة فهي تلك السلطة التي تكون مرتبطة بشخص الحاكم يمارسها كامتياز ، وهو مايميزه بها عن غيره من الأشخاص فتكون مرتبطة بشخصه لما يتمتع به من نفوذ وليست وظيفة مستقلة عنه يمارسها وفق أحكام قانونية مهنية معينة
3- السلطة المؤسسة وهي المعتمدة على رضا الشعب ، لان الحاكم لا يمارسها كامتياز أو كصاحب سيادة أو مالك لها وإنما كوظيفة أسندت له من قبل السيادة وهو الشعب لمدة محددة.
مميزات السلطة السياسية:
تتميز السلطة السياسية بكونها أصيلة وشاملة ، فضلا عن طابعها الإكراهي الذي بموجبه تفرض سلطتها ، وتبدو أصالة السلطة السياسية في كونها لا تستمد وجودها من غيرها ولا تعلوها سلطة أخرى باعتبار أن هناك سلطات غير سياسية بعضها مستقل نسبيا ، لكنها كلها تستمد وجودها وقوتها من السلطة السياسية ، فضلا عن كونها ليست شاملة.
كما أن السلطة السياسية تتميز بصفة الشمولية بحيث تمارس من طرف الحكام على الجماعة المتواجدة في إطار الإقليم كما تشمل مختلف النشاطات وبالتالي فإنها غير محددة المجالات إلا وفق إرادتها لان غايتها تحقيق الخير المشترك للجميع .
كما تتميز هذه السلطة بميزة القداسة التي تتدعم بها تعبر عنه من تصرفات وعزم على تحقيق الرفاهية وضمان الوفاق وما تلعبه وسائل الإعلام في إضفاء صفة الزعامة على ممارسي السلطة عن طريق نشر وبث تصريحاتهم والتعليق عليها .
ومن مميزات السلطة السياسية هو تأرجحها بين الفعلية والقانونية من جهة واستعمال الإكراه من جهة ثانية .
كما أنها تتميز بصفة المركزية وبالتالي انعدام سلطة أخرى بين الدولة والمواطنين وكذلك كونها سياسة توفق بين مختلف المصالح .
كما أنها تتصف بصفة المدنية وبمعنى آخر أن السلطة العسكرية لا دخل لها في المجال السياسي بل هي تابعة للسلطة المدنية المختارة من طرف الشعب .
الخاتمة:
من خلال ما سبق يتضح أن الدولة تقوم على مجموعة من الأركان تتمثل أساسا في الشعب والإقليم والسلطة التي تقود هذا الشعب في إطار هذا الإقليم ولا يمكن التخلي علي أي ركن من هذه الأركان.