ثانوية الاخوة معقب-عماري
لبسم الله
اهلا وسهلا بك عزيزي الزائرفي منتدى ثانوية الاخوة معقب -عماري- هذه الرسالة تبين انك غير مسجل معنا الرجاء التسجيل للأستفادة منكم ..؟؟ وان كنت مسجل من قبل فالرجاء تسجيل الدخول
جزاك الله كل خير
ثانوية الاخوة معقب-عماري
لبسم الله
اهلا وسهلا بك عزيزي الزائرفي منتدى ثانوية الاخوة معقب -عماري- هذه الرسالة تبين انك غير مسجل معنا الرجاء التسجيل للأستفادة منكم ..؟؟ وان كنت مسجل من قبل فالرجاء تسجيل الدخول
جزاك الله كل خير
ثانوية الاخوة معقب-عماري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتـدى تربـوي بيداغوجـي إداري وترفيهي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل الدخول

 

  كتاب النكاح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin
Admin
admin


عدد المساهمات : 636
نقاط : 14558
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 27/02/2012
العمر : 46

 كتاب النكاح  Empty
مُساهمةموضوع: كتاب النكاح     كتاب النكاح  I_icon_minitimeالسبت 24 أغسطس 2013 - 4:05



كتاب النكاح

قال الزمخشري في الكشاف : النكاح الوطء ، وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث أنه طريق له . ونظيره تسمية الخمر إثماً لأنها سبب في اقتراف الإثم انتهى ولا ينافي هذا كثرة ورود النكاح في القرآن بمعنى العقد . حتى قال في الكشاف إنه لم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد . لأن الكثرة ليست من خواص الحقيقة ولا مخرجة للمجاز عن كونه مجازاً كما تقرر في موضعه . على أن دعوى الكلية التي ذكرها صاحب الكشاف ممنوعة فإن قوله تعالى حتى تنكح زوجاً غيره لا يصح أن يراد به العقد كما دل عليه الدليل من السنة . وذهب إليه جماهير الأمة . وكذلك ما ورد في كتاب الله من ألفاظ النكاح للمملوكات لا يكون إلا للوطء إذ لا عقد هناك .
وبالجملة فمعنى النكاح حقيقة الوطء ومجازاً العقد كما صرح به الزمخشري . وهو أقعد بمعرفة اللغة من غيره لا سيما التمييز بين المعاني الحقيقية والمجازية فإنه المرجوع إليه في ذلك دون غيره ممن صارت مؤلفاتهم الآن متداولة بين أهل هذه العصور كما لا يخفى على فطن .
يشرع لمن استطاع الباءة لما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء والمراد بالباءة النكاح والأحاديث الواردة في الترغيب في النكاح كثيرة وقال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .
ويجب على من خشي الوقوع في المعصية لأن اجتناب الحرام واجب وإذا لم يتم الاجتناب إلا بالنكاح كان واجباً ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث المقتضية لوجوب النكاح ، كحديث أنس في الصحيحين وغيرهما : أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم لا أتزوج ، وقال بعضهم أصلي ولا أنام ، وقال بعضهم أصوم ولا أفطر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله وسلم عليه فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني وأخرج ابن ماجه والترمذي من حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى عن التبتل قال الترمذي أنه حسن غريب . قال : وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة ويقال كلا الحديثين صحيح انتهى . وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف . وأخرج النهي عن التبتل أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث أنس . وأخرج ابن ماجه من حديث عائشة أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس منى .
والتبتل غير جائز لما تقدم . وقد رد صلى الله وسلم عليه التبتل على عثمان بن مظعون . وكانت المانوية والمترهبة من النصارى يتقربون إلى الله بترك النكاح . وهذا باطل لأن طريقة الأنبياء عليهم السلام التي ارتضاها الله تعالى للناس هي اصلاح الطبيعة ودفع اعوجاجها لا سلخها عن مقتضياتها .
إلا لعجز عن القيام بما لا بد منه لما ثبت في الكتاب العزيز من النهي عن مضارة النساء والأمر بمعاشرتهن بالمعروف . فمن لا يستطيع ذلك لم يجز له أن يدخل في أمر يوقعه في حرام . وعلى ذلك تحمل الأدلة الواردة في العزبة والعزلة .
أقول : الحاصل أن من كان محتاجاً إلى النكاح أو كان فعله له أولى من تركه من دون احتياج فلا ريب أن أقل الأحوال أن يكون في حقه مندوباً للأدلة الواردة فيه . ومن لم يكن محتاجاً إليه ولا كان فعله أولى له كالحصور والعنين فقد يكون في حقه مكروهاً إذا كان يخشى الاشتغال عن الطاعات من طلب العلم أو غيره مما يحتاج إليه أهله . أو كانت المرأة تتضرر بترك الجماع من دون أن تقدم على المعصية . وأما إذا كان في غنية بحيث لا يشتغل عن الطاعات وكانت المرأة لا تتضرر بترك الجماع ولا يحصل له بالنكاح نفع فيما يرجع إلى الباءة فالظاهر أنه مباح وإن لم يأت من الأدلة ما يقتضي هذه التفاصيل فثم أدلة أخرى تقتضيها وقواعد كلية . ولو قيل أنه لا يكون في تلك الصورة مباحاً بل مكروها لما ورد في العزبة والعزله آخر الزمان لم يكن بعيداً من الصواب .
وينبغي أن تكون المرأة ودوداً لأن تواد الزوجين به تتم المصلحة المنزلية وكثرة النسل بها تتم المصلحة المدنية والملية وود المرأة لزوجها دال على صحة مزاجها وقوة طبيعتها مانع لها من أن يطمح بصرها إلى غيره باعث على تجملها بالإمتشاط وغير ذلك . وفيه تحصين فرجه ونظره .
ولوداً لحديث أنس عند أحمد ، وابن حبان وصححه أن النبي صلى الله وسلم عليه قال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة وأخرج نحوه أحمد من حديث ابن عمر . وفي إسناده جرير بن عبد الله العامري وقد وثق وفيه ضعف . وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث معقل بن يسار .
بكراً لما في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر أن النبي صلى الله وسلم عليه قال له تزوجت بكراً أم ثيباً ؟ قال : ثبياً قال: فهلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك .
ذات جمال فإن الطبيعة البشرية راغبة في الجمال . وكثير من الناس تغلب عليهم الطبيعة . والجمال وما يشبهه من الشباب مقصد من غلب عليه حجاب الطبيعة .
وحسب يعني مفاخر آباء المرأة فإن التزوج في الاشراف شرف وجاه .
ودين أي عفة عن المعاصي وبعدها عن الريب وتقربها إلى بارئها بالطاعات . والدين مقصد من تهذب بالفطرة فأحب أن تعاونه امرأته في دينه ، ورغب في صحبة أهل الخير .
ومال بأن يرغب في المال ويرجى مواساتها معه في مالها وأن يكون أولاده أغنياء لما يجدون من قبل أمهم . والمال والجاه مقصد من غلب عليه حجاب الرسم . ووجهه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله وسلم عليه : تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله وسلم عليه قال أن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك .
قال في الحجة قال صلى الله وسلم عليه . خير النساء اللاتي ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده .
أقول : يستحب أن تكون المرأة من كورة وقبيلة عادات نسائها صالحة . فإن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة . وعادات القوم ورسومهم غالبة على الإنسان وبمنزلة الأمر المجبول هو عليه . وبين أن نساء قريش خير النساء من جهه أنهن أحنى إنسان على ولد في صغره وأرعاه على الزوج في ماله ورقيقه ونحو ذلك . وهذان من أعظم مقاصد النكاح وبهما انتظام تدبير المنزل . وإن أنت فتشت حال الناس اليوم في بلادنا وبلاد ما وراء النهر وغيرها لم تجد أرسخ قدماً في الأخلاق الصالحة ولا أشد لزوماً لها من نساء قريش انتهى .
وتخطب الكبيرة إلى نفسها لما في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله وسلم عليه أرسل إلى أم سلمة يخطبها .
والمعتبر حصول الرضا منها لحديث ابن عباس عند مسلم وغيره : الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة نحوه . وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله وسلم عليه فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله وسلم عليه قال الحافظ : ورجال إسناده ثقات . وروي نحوه من حديث جابر أخرجه النسائي . ومن حديث عائشة أخرجه أيضاً النسائي . وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله وسلم عليه فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شئ ورجاله رجال الصحيح . وأخرجه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة .
قال في الحجة البالغة أقول : لا يجوز أيضاً أن يحكم الاولياء فقط لأنهم لا يعرفون ما تعرف المرأة من نفسها . ولأن حار العقد وقاره راجعان إليها . والاستئمار طلب أن تكون هي الآمرة صريحاً . والاستئذان طلب أن تأذن ولا تمنع وأدناه السكوت . وإنما المراد استئذان البكر البالغة دون الصغيرة . كيف ولا رأي لها . قد زوج أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عائشة من رسول الله صلى الله وسلم عليه وهي بنت ست سنين انتهى .
لمن كان كفؤاً لحديث علي عند الترمذي أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : ثلاث لا يؤخرن : الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على اعتبار الكفاءة في النسب . بل يحمل على أن المرأة إذا وجدت لها كفؤاً ترضى خلقه ودينه كما سيأتي ، وأخرج الحاكم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله وسلم عليه قال العرب أكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل إلا حائك أو حجام وفي إسناده رجل مجهول . وقال أبو حاتم أنه كذب لا أصل له . وذكر الحفاظ أنه موضوع وقد أوضح الكلام عليه الماتن في كتابه في الموضوعات الذي سماه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ولكن رواه البزار في مسنده من طريق أخرى عن معاذ بن جبل رفعه العرب بعضها أكفاء لبعض وفيه سليمان بن أبي الجون . ويغني عن ذلك مافي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ولكن ليس فيه دلالة على المطلوب ، لأن إثبات كون البعض خيراً من بعض لايستلزم أن الأدنى غير كفؤ للأعلى . وهكذا حديث إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد اسمعيل واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم فإن هذا الاصطفاء لا يدل على أن الأدنى غير كفوء للأعلى وأخرج الترمذي من حديث أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، قالوا : يا رسول الله وإن كان فيه قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات وقد حسنه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب * ونقل المناوي عن البخاري أنه لم يعده محفوظاً . وعده أبو داود في المراسيل . وأعله ابن القطان بالإرسال وضعف راويه وأبو حاتم المزني له صحبة ولا يعرف له عن النبي صلى الله وسلم عليه غير هذا الحديث . وأخرج الدارقطني عن عمر أنه قال : لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء .
أقول : استدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن فتاة جاءت إلى رسول الله صلى الله وسلم عليه فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمر النساء شئ وأخرجه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة . ومحل الحجة منه قولها ليرفع بي خسيسته ، فإن ذلك مشعر بأنه غير كفؤاً لها ولا يخفى أن هذا إنما هو من كلامها وإنما جعل النبي صلى الله وسلم عليه الأمر إليها بكون رضاها معتبراً . فإذا لم ترض لم يصح النكاح سواء كان المعقود له كفؤاً أو غير كفؤ . وأيضاً هو زوجها بابن أخيه وابن عم المرأة كفؤ لها . واستدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه أحمد والنسائي وصححه وابن حبان والحاكم من حديث بريدة مرفوعاً : أن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال وبما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة مرفوعاً : الحسب المال والكزم التقوى ويحتمل أن يكون المراد أن هذا هو الذي يعتبره أهل الدنيا كما صرح به في حديث بريدة . وأن هذا حكاية عن صنيعهم واغترارهم بالمال وعدم اعتدادهم بالدين . فيكون في حكم التوبيخ لهم والتقريع . وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم زوج مولاه زيد بن حارثة بزينب بنت جحش القرشية . وزوج أسامة بن زيد بفاطمة بنت قيس القرشية . وزوج عبد الرحمن بن عوف بلالاً بأخته . وأخرج أبو داود . أن أبا هند حجم النبي صلى الله وسلم عليه فقال يا بني بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه أخرجه أيضاً الحاكم وحسنه ابن حجر في التلخيص . وأخرج البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة : أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار . قال رسول الله صلى الله وسلم عليه : إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة .
قال في الحجة البالغة : أقول : ليس في هذا الحديث أن الكفاءة غير معتبرة كيف وهي مما جبل عليه طوائف الناس وكاد يكون القدح فيها أشد من القتل . والناس على مراتبهم والشرائع لا تهمل مثل ذلك ولذلك قال عمر لأمنعن النساء إلا من أكفائهن ولكنه أراد أن لا يتبع أحد محقرات الأمور نحو قلة المال ورثاثة الحال ودمامة الجمال . أو يكون ابن أم ولد ونحو ذلك من الأسباب . بعد أن يرضى دينه وخلقه . فإن أعظم مقاصد تدبير المنزل الاصطحاب في خلق حسن . وأن يكون ذلك الاصطحاب سبباً لصلاح الدين .
وقال في المسوى في باب الكفاءة : قال الله تعالى أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون وقال تعالى أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون قلت : هذه الآيات تدل على تفاوت مراتب الناس . وإن ذلك أمر ثابت فيهم ولم يرده الله تعالىفكان تقريراً . ثم اختلفوا في تحديد المعاني التي يقع بها التفاوت . فذهب أكثرهم إلى أنها أربعة : الدين والحرية والنسب والصناعة . والمراد من الدين الإسلام والعدالة . واعتبر الشافعي السلامة من العيوب المثبتة للخيار أيضاً ومعنى اعتبار الكفاءة عند أبي حنيفة أن المرأة إذا زوجت نفسها من غير الكفؤ فللأولياء أن يفرقوا بينهما . وعند الشافعي أن أحد الأولياء المستوين إذا زوجها برضاها من غير كفؤ لم يصح . وفي قول يصح . ولهم الفسخ إذا زوج الأب بكراً صغيرة أو بالغة بغير رضاها وفيه القولان أيضاً انتهى .
أقول : قوله صلى الله وسلم عليه من ترضون دينه وخلقه فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق . وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز . ويدل عليه قوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور . وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضاً . والعرب كذلك . وليس أحد من العرب كفؤاً لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفؤاً للعرب . وهو وجه للشافعية .قال في الفتح . والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم . ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض . قال الشافعي : ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث . وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض فإسناده ضعيف . قال في الفتح واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر انتهى .
وأعلى الصنائع المعتبرة في الكفاءة في النكاح على الإطلاق العلم لحديث العلماء ورثة الأنبياء أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء وضعفه الدارقطني في العلل . قال المنذري هو مضطرب الإسناد . وقد ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد . والقرآن الكريم شاهد صدق على ما ذكرناه فمن ذلك قوله تعالى هل يستوي الذين يعلمون وقوله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة منها حديث خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا وقد تقدم .
وبالجملة إذا تقرر لك هذا عرفت أن المعتبر هو الكفاءة في الدين والخلق لا في النسب . لكن لما أخبر صلى الله وسلم عليه بأن حسب أهل الدنيا المال وأخبر صلى الله وسلم عليه كما ثبت في الصحيح عنه أن في أمته ثلاثاً من أمر الجاهلية الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة كان تزوج غير الكفوء في النسب والمال من أصعب ما ينزل بمن لم يؤمن بالله واليوم الآخر . قال الماتن رحمه الله ومن هذا القبيل استثناء الفاطمية من قوله ويغتفر برضا الأعلى والولي . وجعل بنات فاطمه رضي الله عنها أعلى قدراً وأعظم شرفاً من بنات رسول الله صلى الله وسلم عليه لصلبه فيا عجباً كل العجب من هذه التعصبات الغربية والتصلبات على أمر الجاهلية وإذا لم يتركها من عرف أنها من أمور الجاهلية من أهل العلم فكيف يتركها من لم يعرف ذلك . والخير كل الخير في الإنصاف والانقياد لما جاء به الشرع . ولهذا أخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن رسول الله صلى الله وسلم عليه أنه قال أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس فهذا نص في محل الخلاف . أنظر أمهات العترة الطاهرة الذين هم قدوة السادة وأسوة القادة في كل خير ودين من كن فأم أبي العترة الإمام زين العابدين على بن الحسين شهريانو بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن خسروبرويز بن هرمز بن نوشيروان ملك الفرس . وأم الإمام موسى الكاظم أم ولد اسمها حميدة . وأم الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم أم ولد أيضاً اسمها تكتم . وأم الإمام علي بن محمد بن على المذكور الملقب بالجواد والتقي أم ولد اسمها خيزران وقيل ريحانة . وأم الإمام علي بن محمد الملقب بالهادي والعسكري أم ولد اسمها سمانة . وأم الإمام حسن بن علي الملقب بالزكي والخالص والعسكري أم ولد اسمها سوسن . وأم الإمام محمد بن حسن الملقب بالحجة والقائم والمهدي أم ولد اسمها نرجس . وهكذا كان شأن التزوج في أصحاب رسول الله صلى الله وسلم عليه لم يعرج أحد منهم على الكفاءة في النسب وإنما أخذ بذلك الجهلة من الأمة لا سيما أهل القرى والقصبات من نسل العترة والصحابة رضي الله عنهم أجمعين * وأكثرهم خائضون في الباطل عاطلون عن حلي العلم الموصل إلى الحق . وكان أمر الله قدراً مقدوراً .
و تخطب الصغيرة إلى وليها لما في صحيح البخاري وغيره عن عروة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر .
ورضا البكر صمتها لما تقدم من الأحاديث الصحيحة .
وتحرم الخطبة في العدة لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله صلى الله وسلم عليه سكنى ولا نفقة وقال لها رسول الله صلى الله وسلم عليه إذا حللت فآذنيني فآذنته الحديث وهو في صحيح مسلم وغيره . وأخرج البخاري عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى فيما عرضتم به من خطبة النساء قال : يقول إني أريد التزويج ولوددت أنه ييسر لي امرأة صالحة . وأخرج الدارقطني عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنه دخل رسول الله صلى الله وسلم عليه على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال لقد علمت أني رسول الله وخيرته من خلقه وموضعي من قومي وكانت تلك خطبته والحديث منقطع ، قال في الفتح : واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها وأما الرجعية فقال الشافعي . لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها .
والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض مباح في الأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن .
و الخطبة على الخطبة لحديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله وسلم عليه قال المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن ان يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر وهو في صحيح مسلم وغيره وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك . وأخرج أيضاً من حديث ابن عمر لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له وقد ذهب إلى تحريم ذلك الجمهور .
ويجوز له النظر إلى المخطوبة لحديث المغيرة عند أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والدارمي وابن حبان وصححه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله وسلم عليه انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما فأتى أبويها فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله وسلم عليه فكأنهما كرها ذلك فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت إن كان رسول الله صلى الله وسلم عليه أمرك أن تنظر فانظر وإلا فإني أنشدك كأنها عظمت ذلك عليه فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها ذكره أحمد وأهل السنن . وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال كنت عند النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً وفي الباب أحاديث .
ولا نكاح إلا بولي لحديث أبي موسى عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه عن النبي صلى الله وسلم عليه قال : لانكاح إلا بولي وحديث عائشة عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وأبي عوانة أن النبي صلى الله وسلم عليه قال أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له وفي الباب أحاديث . قال الحاكم وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله وسلم عليه عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابياً .
أقول الأدلة الدالة على اعتبار الولي وأنه لا يكون العاقد سواه وأن العقد من المرأة لنفسها بدون إذن وليها باطل قد رويت من طريق جماعة من الصحابة فيها الصحيح والحسن وما دونهما فاعتباره متحتم . وعقد غيره مع عدم عضله باطل بنص الحديث لا فاسد على تسليم أن الفساد واسطة بين الصحة والبطلان . ولا يعارض هذه الأحاديث حديث الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن ونحوه كحديث ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر لأن المراد أنها أحق بنفسها في تعيين من تريد نكاحه إن كانت ثيباً ، والبكر يمنعها الحياء من التعيين فلا بد من استئذانها ، وليس المراد أن الثيب تزوج نفسها أو توكل من يزوجها مع وجود الولي فعقد النكاح أمر آخر . وبهذا تعلم أن لا وجه لما ذهبت إليه الظاهرية من اعتبار الولي في البكر دون الثيب والولي عند الجمهور هو الأقرب من العصبة وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء .
أقول الذي ينبغي التعويل عليه عندي هو أن يقال إن الأولياء هم قرابة المرأة الأدنى فالأدنى الذين يلحقهم الغضاضة إذا تزوجت بغير كفء وكان المزوج لها غيرهم . وهذا المعنى لا يختص بالعصبات بل قد يوجد في ذوي السهام كالأخ لأم وذوي الأرحام كابن البنت . وربما كانت الغضاضة معهما أشد منها مع بني الأعمام ونحوهم فلا وجه لتخصيص ولاية النكاح بالعصبات كما أنه لا وجه لتخصيصها بمن يرث ومن زعم ذلك فعليه الدليل أو النقل بأن معنى الولي في النكاح شرعاً أو لغة هو هذا وأما ولاية السلطان فثابتة بحديث إذا تشاجر الأولياء فالسلطان ولي من لا ولي لها فهذا الحديث وإن كان فيه مقال فهو لا يسقط به عن رتبة الاستدلال وهو يدل على حكمين ، الأول : أن تشاجر الأولياء يوجب بطلان ولا يتهم ويصيرهم كالمعدومين . الثاني : أنهم إذا عدموا كانت الولاية للسلطان وإذا تحرر لك ما ذكرناه في الأولياء فاعلم أن من غاب منهم عند حصور الكفء ورضا المكلفة به ولو في محل قريب إذا كان خارجاً عن بلد المرأة ومن يريد نكاحها فهو كالمعدوم : والسلطان ولي من لا ولي له اللهم إلا أن ترضى المرأة ومن يريد الزواج بالانتظار لقدوم الغائب . فذلك حق لهما وإن طالت المدة . وأما مع عدم الرضا فلا وجه لايجاب الانتظار ولا سيما مع حديث ثلاث لا يؤخرن إذا حانت منها الأيم إذا حضر كفؤها كما أخرجه الترمذي والحاكم . وجميع ما ذكر من تلك التقديرات بالشهر وما دونه ليس على شئ منها أثارة من علم . ومع ذلك فالقول بأن غيبة الولي الموجبة لبطلان حقه هي الغيبة التي يجوز الحكم معها على الغائب هو قول مناسب إذا صح الدليل على أنه لايجوز الحكم على الغائب إلا اذا كان في مسافة القصر فإن لم يصح دليل على ذلك فالواجب الرجوع إلى ما ذكرناه فإن قلت إذا كان ولي النكاح هو أعم من العصبات كما ذكرته فما وجهه ؟ قلت وجهه أنا وجدنا الولاية قد أطلقت في كتاب الله تعالى على ما هو أعم من القرابة والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ووجدناها قد أطلقت في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو أخص من ذلك قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : السلطان ولي من لا ولي له ولا ريب أنه لم يكن المراد في الحديث مافي الآية وإلا لزم أنه لا ولاية للسلطان إلا عند عدم المؤمنين . وهو باطل ، لأنه أحدهم بل له مزية عليهم لا توجد في أفرادهم ، وإذا ثبت أنه لم يكن المراد بالولي في الحديث الأولياء المذكورين في الآية فليس بعض من يصدق عليه اسم الإيمان أولى من بعض إلا بالقرابة ، ولا ريب أن بعض القرابة أولى من بعض ، وهذه الأولوية ليست باعتبار استحقاق نصيب من المال أو استحقاق التصرف فيه حتى يكون كالميراث أو كولاية الصغير ، بل باعتبار أمر آخر وهو ما يجده القريب من الغضاضة التي هي العار اللاصق به وهذا لا يختص بالعصبات كما بينا بل يوجد في غيرهم ، ولا شك أن بعض القرابة أدخل في هذا الأمر من بعض فالآباء والأبناء أولى من غيرهم ثم الأخوة لأبوين ثم الأخوة لأب أو لأم ثم أولاد البنات ثم أولاد الأخوة وأولاد الأخوات ثم الأعمام والأخوال ثم هكذا من بعد هؤلاء ومن زعم الاختصاص بالبعض دون البعض فليأتنا بحجة وإن لم يكن بيده إلا مجرد أقوال من تقدمه فلسنا ممن يعول على ذلك وبالله التوفيق *
قال في الحجة : وفي اشتراط الولي في النكاح تنويه أمرهم . واستبداد النساء بالنكاح وقاحة منهن منشؤها قلة الحياء واقتصاب على الأولياء وعدم اكثرات بهم . وأيضاً يجب أن يميز النكاح من السفاح بالتشهير وأحق التشهير أن يحضر أولياؤها ولا يجوز أن يحكم في النكاح النساء خاصة لنقصان عقلهن وسوء فكرهن فكثيراً ما لا يهتدين للمصلحة ولعدم حماية الحسب منهن غالباً فربما رغبن في غير الكفء وفي ذلك عار على قومها فوجب أن يجعل للأولياء شئ من هذا الباب لتسد المفسدة ، وأيضاً فإن السنة الفاشية في الناس من قبل ضرورة أنهن عوان بأيديهم وهو قوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض انتهى .
قال الشافعي : لا ينعقد نكاح امرأة إلا بعبارة الولي القريب ، فإن لم يكن فبعبارة الولي البعيد ، فإن لم يكن فبعبارة السلطان ، فإن زوجت نفسها أوغيرها بإذن الولي أو بغير إذنه بطل ولم يتوقف . وتأويل قوله لا تنكح المرأة إلا بأذن وليها لا يزوجها إلا وكيل الولي ويفهم تزوجيها بنفسه بالأولى ، وقال أبو حنيفة : ينعقد نكاح المرأة الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد ولي بكراً كانت أو ثيباً وتأويل الحديث أنه يكره لها ذلك خشية أن تقصر في رعاية الكفاءة وغيرها أو تنسب إلى الوقاحة أو تأويله أن للولي حق الاعتراض في غير الكفء فمعنى قوله لا تنكح أي لا تستقل بنكاحها إلا بإذنه لأن له حق الاعتراض في غير الكفء . وقال محمد : ينعقد موقوفاً على إذنه كذا في المسوى .
وشاهدين لحديث عمران بن حصين عند الدارقطني والبيهقي في العلل وأحمد في رواية ابنه عبد الله عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك . وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له وإسناده ضعيف وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة وصحح الترمذي وقفه . وهذه الأحاديث وما ورد في معناها يقوي بعضها بعضاً وقد ذهب إلى ذلك الجمهور . قال في شرح السنة أكثر أهل العلم على أن النكاح لاينعقد إلا ببينة ولا ينعقد حتى يكون الشهود حضوراً حالة العقد واختلفوا في صفة الشهود قال الشافعي : لا ينعقد إلا بمشهد رجلين عدلين . وقال أبو حنيفة ، ينعقد برجل وامرأتين وبفاسقين كذا في المسوى وفي الموطأ في باب لا يحل نكاح السر مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت .
إلا أن يكون الولي عاضلاً أو غير مسلم لقوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ولتزوجه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان من غير وليها لما كان كافراً حال العقد .
ويجوز لكل واحد من الزوجين أن يوكل لعقد النكاح ولو واحداً لحديث عقبة ابن عامر عند أبي داود أن النبي صلى الله وسلم عليه قال لرجل أترضى أن أزوجك فلاناً قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلاناً قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه الحديث وقد ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث وأبو ثور . وحكي في البحر عن الشافعي وزفر أنه لا يجوز . وقال في الفتح وعن مالك لو قالت المرأة لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أو ممن اختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين الزوج . وقال الشافعي : يزوجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أقعد منه ووافقه زفر . وأما استحباب النثار فأقول لم يصح في ذلك شئ كما أوضحه في النيل والسيل ولا بأس بنثر شئ من المأكولات فهو من جملة الإطعام المندوب إنما الشأن في الحكم بمشروعية انتهابه مع ورود الأحاديث الصحيحة بالنهي عن النهي . والظاهر أن هذا نوع منها ولم يرد ما يدل على التخصيص لا من وجه صحيح ولا حسن بل ولا ضعيف ينجبر . وأما إجابة الوليمة فأحاديث الأمر بالإجابة صحيحة ولم يأت ما يقتضي صرفها عن الوجوب نعم الولائم المشوبة بالمنكرات مع عدم القدرة على التغيير لا يجوز حضورها كما يدل عليه حديث النهي عن الجلوس على المائدة التي تدار عليها الخمر وسائر المعاصي تقاس على ذلك *

فصل حكم نكاح المتعة
ونكاح المتعة قال في الحجة رخص فيها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أياماً ثم نهى عنها . أما الترخيص أولاً فلملكان حاجة تدعو إليه كما ذكره ابن عباس فيمن يقدم بلدة ليس بها أهله أشار ابن عباس أنها لم تكن يومئذ استئجاراً على مجرد البضع بل كان ذلك مغموراً في ضمن حاجات من باب تدبير المنزل ، كيف والإستئجار على مجرد البضع انسلاخ عن الطبيعة الإنسانية ووقاحة يمجها الباطن السليم . وأما النهي عنها فلارتفاع تلك الحاجة في غالب الأوقات وأيضاً ففي جريان الرسم به اختلاط الأنساب لأنها عند انقضاء تلك المدة تخرج من حيزه ويكون الأمر بيدها فلا يدري ماذا تصنع وضبط العمدة في النكاح الصحيح الذي بناؤه على التأييد في غاية العسر ، فما ظنك بالمتعة وإهمال النكاح الصحيح المعتبر في الشرع فإن أكثر الراغبين في النكاح غالب داعيتهم قضاء شهوة الفرج . وأيضاً فإن من الأمر الذي يتميز به النكاح من السفاح التوطين على المعاونة الدائمة وإن كان الأصل فيه قطع المنازعة فيها على أعين الناس انتهى .
في شرح السنة اتفق العلماء على تحريم المتعة وهو كالإجمال بين المسلمين .
منسوخ فإنه لا خلاف أنه قد كان ثابتاً في الشريعة كما صرح بذلك القرآن فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ولما في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال كنا نغرو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل وفي الباب أحاديث . وثبت النسخ من حديث جماعة فأخرج مسلم وغيره من حديث سبرة الجهني أنه غزا مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فتح مكة فأذن لهم رسول الله صلى الله وسلم عليه في النساء قال فلم يخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله وسلم عليه وفي لفظ من حديثه وأن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة وأخرج الترمذي عن ابن عباس إنما كانت المتعة في أول الإسلام حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وفي الصحيحين من حديث علي أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى عن متعة النساء يوم خيبر والأحاديث في هذا الباب كثيرة والخلاف طويل وقد استوفاه الماتن في نيل الأوطار . ورواية من روى تحريمها إلى يوم القيامة هي الحجة في هذا الباب وهذا نهي مؤبد وقع في آخر موطن من المواطن سافر فيها رسول الله صلى الله وسلم عليه وتعقبه موته بعد أربعة أشهر فوجب المصير إليه ولا يعارضه ما روي عن بعض الصحابة أنهم ثبتوا على المتعة في حياته صلى الله وسلم عليه وبعد موته إلى آخر أيام عمر كما زعمه صاحب ضوء النهار . فإن من النسخ المؤبد حجة على من لم يعلم واستمرار من استمر عليها إنما كان لعدم علمه بالناسخ . وأما ما صار يهول به جماعة من المتأخرين من أن تحليل المتعة قطعي وحديث تحريمها على التأبيد ظني والظني لا ينسخ القطعي ، حتى قال المقبلي أن الجمهور لم يجدوا جواباً على هذا فيقال : إن كان كون التحليل قطعياً لكونه منصوصاً عليه في الكتاب العزيز فذلك وإن كان قطعي المتن فليس بقطعي الدلالة لأمرين أحدهما : أنه يمكن حمله على الإستمتاع بالنكاح الصحيح . الثاني : أنه عموم وهو ظني الدلالة على أنه قد روى الترمذي عن ابن عباس أنه قال إنما كانت المتعة حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام وهذا يدل على التحريم بالقرآن فيكون ما هو قطعي المتن ناسخاً لما هو قطعي المتن ، وإن كان التحليل قطعياً لكونه قد وقع الإجماع من الجميع عليه في أول الأمر فيقال وقد وقع الإجماع أيضاً عل التحريم في الجملة عند الجميع وإنما الخلاف في التأبيد هل وقع أم لا وكون هذا التأبيد ظنياً لا يستلزم ظنية التحريم الذي وقع النسخ به . فالحاصل أن الناسخ للتحليل المجمع عليه هو التحريم المجمع عليه المقيد بقيد ظني وهو التأبيد . فالناسخ والمنسوخ قطعيان هذا على التسليم ناسخ القطعي لا يكون إلا قطعياً كما قرره جمهور أهل الأصول ، وأن كنت لا أوافقهم على ذلك .
والتحليل حرام لحديث ابن مسعود عند أحمد والنسائي والترمذي وصححه قال : لعن رسول الله صلى الله وسلم عليه المحلل والمحلل له وصححه أيضاً ابن القطان وابن دقيق العيد وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثه أخرجها اسحق في مسنده . وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه ابن السكن من حديث علي مثله . وخرج ابن ماجه والحاكم من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال : هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له وفي إسناده يحيى بن عثمان وهو ضعيف ، وقد أعل بالإرسال وأخرج أحمد والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم والترمذي في العلل من حديث أبي هريرة نحوه وحسنه البخاري وأخرج الحاكم والطبراني في الأوسط من حديث عمر انهم كانوا يعدون التحليل سفاحاً في عهد رسول الله صلى الله وسلم عليه . قال في تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين رواه ابن ماجه بإسناد رجاله موثقون وصح عن عمر أنه قال : لا أوتي بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما . رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفهما وابن المنذر في الأوسط وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال كلاهما زان . والكلام في ذلك عن الصحابة والتابعين طويل قد أطال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الكلام عليه وأفرده مصنفاً سماه بيان الدليل على إبطال التحليل انتهى .
أقول حديث لعن المحلل مروي من طريق جماعة من الصحابة بأسانيد بعضها صحيح وبعضها حسن واللغن لا يكون إلا على أمر جائز في الشريعة المطهرة بل على ذنب هو من أشد الذنوب . فالتحليل غير جائز في الشرع ولو كان جائزاً لم يلعن فاعله والراضي به وإذا كان الفاعل يدل على تحريم فعله لم تبق صيغة تدل على التحريم قط ، وإذا كان هذا الفعل حراماً غير جائز في الشريعة فليس هو النكاح الذي ذكره الله في قوله حتى تنكح زوجاً غيره كما أنه لوقال لعن الله بائع الخمر لم يلزم من لفظ بائع أنه قد جاز بيعه وصار من البيع الذي أذن فيه بقوله وأحل الله البيع والأمر ظاهر . قال ابن القيم ونكاح المحلل لم يبح في ملة من الملل قط ولم يفعله أحد من الصحابة ولا أفتى به واحد منهم . ثم سل من له أدنى اطلاع على أحوال الناس كم من حرة مصونة أنشب فيها المحلل مخالب إرادته فصارت له بعد الطلاق من الأخدان ، وكان بعلها منفرداً بوطئها فإذا هو والمحلل ببركة التحليل شريكان ، فلعمر الله كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء بين مرامين العشراء والحرماء ، ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها ، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها ، وعناق القنا دون عناقها ، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها ، وأما هذه الأزمان التي شكت الفروج فيها إلى ربها من مفسدة التحليل ، وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رمد بل عمى في عين الدين ، وشجا في حلوق المؤمنين من قبائح تشمت أعداء الدين به وتمنع كثيراً ممن يريد الدخول فيه بسببه ، بحيث لا يحيط بتفاصليها خطاب ، ولا يحصرها كتاب ، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح ويعدونها من أعظم الفضائح ، قد قلبت من الدين رسمه ، وغيرت منه اسمه وضمخ ، التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل ، وزعم أنه قد طيبها للتحليل ، فيالله العجب ، أي طيب أعارها هذا التيس الملعون ، وأي مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدون ، إلى غير ذلك انتهى . وقد أطال رحمه الله تعالى في تخريج أحاديث التحليل في إعلام الموقعين إطالة حسنة فليراجع .
وكذلك الشغار لثبوت النهي عنه كما في حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم نهى عن الشغار وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الشغار ، والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك وأزوجك أختي وأخرج مسلم أيضاً من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله وسلم عليه قال لا شغار في الإسلام وفي الباب أحاديث . قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته والجمهور على البطلان . قال الشافعي هذا النكاح باطل كنكاح المتعة . وقال أبو حنيفة جائز ولكل واحد منهما مهر مثلها انتهى .
أقول النهي عن الشغار ثابت بالأحاديث الصحيحة من طرق جماعة من الصحابة . وعلى كل حال فكون الشغار من مفسدات العقد غير مناسب لما تقرر في الأصول ، لأن النهي عن الشغار يقتضي قبحه أو تحريمه أو فساده على اختلاف الأقوال ، وإذا اقتضى ذلك وجب على كل واحد من الزوجين توفير المهر لزوجته بما استحل من فرجها ، فهو بمنزلة فساد التسمية ، وفسادها لا يستلزم فساد عقد النكاح ، والمهر ليس بشرط للعقد ، فالحكم بأن الشغار يفسد العقد غير مناسب ، لما تقرر في الأصول ، ولا موافق لقواعد الفروع ، ولو فرض أن النهي عن النكاح الذي فيه شغار لم يكن ذلك مقتضياً لفساد العقد لأن النهي ليس لذات العقد ولا لوصفه بل لأمر خارج عنه . وقد تقرر في الأصول أن ذلك لا يوجب الفساد .
ويجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة لحديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج وهو في الصحيحين وغيرهما . قلت : هو قول أكثر أهل العلم . وقالوا قوله صلى الله وسلم عليه إن أحق الشروط الخ خاص في شرط المهر إذا سمى لها مالاً في الذمة أو عيناً عليه أن يوفيها ما ضمن لها ، وفي الحقوق الواجبة التي هي مقتضى العقد وأما ما سوى ذلك مثل أن يشترط في العقد للمرأة أن لايخرجها من دارها ولا ينقلها من بلدها أو لا ينكح عليها أو نحو ذلك فلا يلزمه الوفاء به وله إخراجها ونقلها وأن ينكح عليها إلا أن يكون في ذلك يمين فليزمه اليمين كذا في المسوى .
أقول : الوفاء بمطلق الشروط مشروع قال تعالى أوفوا بالعقود وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً وهو حديث حسن . ولكن هذا المخصص المتصل أعني قوله إلا شرطاً الخ يدل على أن ما كان من الشروط بهذه الصفة لا يجب الوفاء به ، وكما يخصص عموم أول الحديث كذلك يخصص عموم الآية . ويؤيد هذا المخصص الحديث المتفق عليه بلفظ كل شرط ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله فهو باطل ولا يعارض هذا حديث أحق الشروط الخ وهو متفق عليه ووجه عدم المعارضة أن عموم هذا الحديث مخصص بما قبله من الحديثين الدالين على أن الشروط التي تحلل الحرام أو تحرم الحلال مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله لا يجب الوفاء بها سواء كانت في نكاح أو غيره لا كما قاله الجلال في ضوء النهار .
إلا أن يحل حراماً أو يحرم حلالاً فلا يحل الوفاء به كما ورد بذلك الدليل . وقد ثبت النهي عن اشتراط أمور كحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أويبيع على بيعة أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفىء ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : لا يحل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى .
ويحرم على الرجل أن ينكح زانية أو مشركة لقوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ولما أخرجه أحمد بإسناد رجاله ثقات والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله وسلم عليه في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه فقرأ عليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وأخرج أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه من حديث ابن عمر أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى الله وسلم عليه فقلت يا رسول الله ، انكح عناقاً قال فسكت عني فنزلت الآية والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها . وأخرج أحمد وأبو داود بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله قال ابن القيم أخذ بهذه الفتاوى التي لا معارض لها الإمام أحمد ومن وافقه ، وهي من محاسن مذهبه ، فإنه لم يجوز أن ينكح الرجل زوجاً تحبه ، ويعضد مذهبه بضعة وعشرون دليلاً قد ذكرناها في موضع آخر انتهى . وأخرج ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي الله تعالى عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا في النساء خيراً فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً وأخرج ابو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله وسلم عليه فقال : إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال : غربها قال : أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها قال المنذري ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين . قال ابن القيم عورض بهذا الحديث المتشابه الأحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزوج البغايا واختلفت مسالك المحرمين لذلك فيه فقالت طائفة المراد باللامس ملتمس الصدقة لا ملتمس الفاحشة . وقالت طائفة بل هذا في الدوام غير مؤثر ، وإنما المانع ورود العقد على الزانية فهذا هو الحرام . وقالت طائفة بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما . فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حراماً فأمره حينئذ بإمساكها إذ مواقعتها بعقد النكاح أقل فساداً من مواقعتها بالسفاح . وقالت طائفة بل الحديث ضعيف لا يثبت . وقالت طائفة ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية وإنما فيه أنها لا تمنع ممن يمسها أو يضع يده عليها أو نحو ذلك فهي تعطي الليان لذلك ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها الداعي إلى الفاحشة فأمره بفراقها تركاً لما يريبه إلى ما لا يريبه ، فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكها أرجح المسالك والله تعالى أعلم انتهى .
في المسوى أقول : الظاهر عندي أن مبنى اختلافهم هذا ، اختلافهم في مرجع ذلك في قوله حرم ذلك فقال أحمد مرجعه نكاح الزانية والمشركة . وقال غيره مرجعه الزنا والشرك . والمراد على هذا ، أن العادة قاضية بأن الزانية لا يرغب فيها إلا زان أو مشرك ، والزنا والشرك حرام على المؤمنين ، فنكاحها لا يليق بحال المؤمنين . ولا يقولون إن الحديث ناسخ ، بل يقولون أنه مبين لتأويل الآية ، ومع ذلك فلا يخلو عن بعد . في الكافي مذهب أحمد الزانية يحرم نكاحها كالمعتدة . وأما غير أحمد فقولهم جواز نكاح الفاجرة وإن كان الاختيار غير ذلك لحديث لا ترد يد لامس . قال الواحدي : عن أبي عبيد مذهب مجاهد أن التحريم لم يكن إلا على جماعة خاصة من فقراء المهاجرين أرادوا نكاح البغايا لينفقن عليهم . ومذهب سعد أن التحريم كان عاماً ثم نسخته الرخصة . وأورد أبو عبيد على هذا الحديث أنه خلآف الكتاب والسنة المشهورة لأن الله تعالى إنما أذن في نكاح المحصنات خاصة ثم أنزل في القاذف آية اللعان ، وسن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم التفريق بينهما فلا يجتمعان أبداً ، فكيف يأمر بالإقام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lyceeammari.yoo7.com
admin
Admin
admin


عدد المساهمات : 636
نقاط : 14558
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 27/02/2012
العمر : 46

 كتاب النكاح  Empty
مُساهمةموضوع: تابع    كتاب النكاح  I_icon_minitimeالسبت 24 أغسطس 2013 - 4:07

فصل مسائل متعددة في النكاح

واذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل لحديث جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه من تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر وأخرجه أيضاً ابن ماجه من حديث ابن عمر قال الترمذي لا يصح إنما هو عن جابر . وأخرجه أبو داود من حديث ابن عمر أيضاً وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف . وقد ذهب إلى عدم صحة عقد العبد بغير إذن مولاه الجمهور وقال مالك أن العقد نافذ ولسيده فسخه . ورد بأن العاهر الزاني والزنا باطل وفي رواية من حديث جابر بلفظ باطل .
وإذا عتقت الأمة ملكت أمر نفسها وخيرت في زوجها لحديث عائشة في صحيح مسلم وغيره أن بريرة خيرها النبي صلى الله وسلم عليه وكان زوجها عبداً وكذا في صحيح البخاري من حديث ابن عباس . وفي حديث آخر لعائشة عند أحمد وأهل السنن أن زوج بريرة كان حراً وقد اختلفت الروايات في ذلك . وقد اختلف أهل العلم في ثبوت الخيار إذا كان الزوج حراً . فذهب الجمهور إلى أنه يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة وقد وقع في بعض الروايات أن النبي صلى الله وسلم عليه لبريرة ملكت نفسك فاختاري فإن هذا يفيد أنه لا فرق بين الحر والعبد . والحاصل أن الاختلاف في كون زوجها حراً أو عبداً لا يقدح في ذلك لأن ملكها لأمر نفسها يقتضي عدم الفرق . ولكن دعوى أن تمكينها لزوجها بعد علمها بالعتق وثبوت الخيار مبطل لخيارها لا دليل عليها وتركه صلى الله وسلم عليه لاستفصال بريرة أو زوجها عن ذلك يفيد أنه غير مبطل ولو كان مبطلاً لم يتركه .
ويجوز فسخ النكاح بالعيب لحديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب أن رسول الله صلى الله وسلم عليه تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضاً فانحاز عن الفراش ثم قال خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئاً أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وابن عدي والبيهقي . وأخرجه من حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك . وأخرجه أبو نعيم في الطب والبيهقي من حديث ابن عمر وفي الحديث اضطراب . وروى مالك في الموطأ والدارقطني وسعيد بن منصور والشافعي وابن أبي شيبة عن عمر أنه قال ايما امرأة غر بها رجل بها جنون أو جذام أو برص فلما مهرها بما أصاب منها وصداق الرجل على من غره ورجال إسناده ثقات . وفي الباب عن على عند سعيد بن منصور وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن النكاح يفسخ بالعيوب وإن اختلفوا في تفاصيل ذلك . وروي عن على وعمر وابن عباس أنها لا ترد النساء إلا بالعيوب الثلاثة المذكورة والرابع الداء في الفرج . وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع . ورجحه ابن القيم واحتج له في الهدي بالقياس على البيع . وذهب البعض إلى أن المرأة ترد الزوج بتلك الثلاثة وبالجب والعنة . والخلاف في هذا البحث طويل .
أقول اعلم أن الذي ثبت بالضرورة الدينية ، أن عقد النكاح لازم تثبت به أحكام الزوجية من جواز الوطء ووجوب النفقة ونحوها وثبوت الميراث وسائر الأحكام . وثبت بالضرورة الدينية أن يكون الخروج منه بالطلاق والموت . فمن زعم أنه يجوز الخروج من النكاح بسبب من الأسباب فعليه الدليل الصحيح المقتضي للانتقال عن ثبوته بالضرورة الدينية . وما ذكروه من العيوب لم يأت في الفسخ بها حجة نيرة ولم يثبت شئ منها . وأما قوله صلى الله وسلم عليه إلحقي بأهلك فالصيغة صيغة طلاق . وعلى فرض الاحتمال فالواجب الحمل على المتيقن دون ما سواه وكذلك الفسخ بالعنة لم يرد به دليل صحيح . والأصل البقاء على النكاح حتى يأتي ما يوجب الانتقال عنه . ومن أعجب ما يتعجب منه تخصيص بعض العيوب بذلك دون بعض لا لمجرد دليل فسبحان الله وبحمده .
ويقر من أنكحة الكفار إذا أسلموا ما يوافق الشرع لحديث الضحاك بن فيروز عن أبيه عند أحمد وأهل السنن والشافعي والدارقطني والبيهقي وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان قال أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن أطلق إحداهما وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي والشافعي وابن حبان والحاكم وصححاه عن ابن عمر قال أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن يختار منهن أربعاً وقد أعل الحديث بأن بالمغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فاستقر على النكاح انتهى .
أقول إن إسلام المرأة مع بقاء زوجها في الكفر ليس لمنزلة الطلاق إذ لو كان كذلك لم يكن له عليها سبيل بعد انقضاء عدتها إلا برضاها مع تجديد العقد .
فالحاصل أن المرأة المسلمة إن حاضت بعد إسلامها ثم طهرت كان لها ان تتزوج بمن شاءت . فإذا تزوجت لم يبق للأول عليها سبيل إذا أسلم وإن لم تتزوج كانت تحت عقد زوجها الأول ولا يعتبر تجديد عقد ولا تراض هذا ما تقتضيه الأدلة وإن خالف أقوال الناس . وهكذا الحكم في ارتداد أحد الزوجين فإنه إذا عاد المرتد إلى الإسلام كان حكمه حكم إسلام من كان باقياً على الكفر *

فصل المهر واجب وتكره المغالاة
المهر واجب وبه يتحقق التمييز بين النكاح والسفاح وهو قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فلذلك ابقى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وجوب المهر كما كان . ودليل وجوبه أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يسوغ نكاحاً بدون مهر أصلاً . وفي الكتاب العزيز وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وقوله فلا تأخذوا منه شيئاً . وقال وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض الآية وقال تعالى ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن وقد أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منع علياً أن يدخل بفاطمة عليهما السلام حتى يعطيها شيئاً ولما قال ما عندي شئ قال فأين درعك الحطمية فأعطاه إياها وحديث سهل بن سعد الآتي قريباً من أعظم الأدلة على وجوب المهر .
وتكره المغالاة فيه لحديث عائشة عند الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة وفي إسناده ضعف . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال له إني تزوجت امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله وسلم عليه هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً قال قد نظرت إليها قال على كم تزوجتها قال على أربع أواق فقال له النبي صلى الله وسلم عليه على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال فبعث بعثاً إلى بني عبس بعث ذلك الرجل فيهم وأخرج أبو داود والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه خير الصداق أيسره وعن عائشة أنه كان صداق النبي صلى الله وسلم عليه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشاً أي نصفاً وهو في صحيح مسلم وغيره . قال في الحجة ولم يضبط النبي صلى الله وسلم عليه المهر بحد لا يزيد ولا ينقص إذ العادات في إظهار الاهتمام مختلفة والرغبات لها مراتب شتى . ولهم في المشاحة طبقات فلا يمكن تحديده عليهم كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحد مخصوص ولذلك قال التمس ولو خاتماً من حديد غير أنه سن في صداق أزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً . وقال عمر رضي الله تعالى عنه لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله وسلم عليه انتهى .
ويصح ولو خاتماً من حديد أو تعليم قرآن لما أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه من حديث عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله وسلم عليه : أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين فقالت : نعم فأجازه وأخرج أحمد وأبو داود من حديث جابر أن رسول الله صلى الله وسلم عليه قال : لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يديه طعاماً كانت له حلالاً وفي إسناده ضعف . وأخرج الدارقطني في حديث لأبي سعيد في المهر قال ولو على سواك من أراك وفي الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله وسلم عليه جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياماً طويلاً فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله وسلم عليه هل عندك من شئ تصدقها قال ما عندي إلا إزاري هذا فقال له النبي صلى الله وسلم عليه إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئاً فقال ما أجد شيئاً قال التمس ولو خاتماً من حديد فالتمس فلم يجد شيئاً فقال له النبي صلى الله وسلم عليه هل معك من القرآن شئ قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال له النبي صلى الله وسلم عليه قد زوجتكها بما معك من القرآن ولا يعارض ما ذكر حديث لا مهر أقل من عشرة دراهم عند الدارقطني من حديث جابر لأن في إسناده مبشر بن عبيد وحجاج بن أرطأة وهما ضعيفان . قال ابن القيم وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في جواز النكاح بما قل من مهر ولو خاتماً من حديد مع موافقتها لعموم القرآن في قوله أن تبتغوا بأموالكم وللقياس في جواز التراضي بالمعاوضة على القليل والكثير بأثر لا يثبت وقياس من أفسد القياس على قطع يد السارق وأين النكاح من اللصوصية وأين استباحة الفرج به إلى قطع اليد في السرقة. وقد تقدم مراراً أن أصح الناس قياساً أهل الحديث وكلما كان الرجل إلى الحديث أقرب كان قياسه أصح وكلما كان عن الحديث أبعد كان قياسه أفسد انتهى .
أقول الحاصل أن الأدلة قد دلت على أنه يصح أن يكون المهر قليلاً بدون تقييد وكذلك حديث المرأة التي تزوجت بنعلين وأقرها رسول الله صلى الله وسلم عليه وكذلك حديث أنه صلى الله وسلم عليه قال لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يديه طعاماً كانت حلالاً وكذلك حديث عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة من ذهب يدل على عدم التقييد بحد في جانب القلة . والأحاديث المذكورة هي في الأمهات . فالأول متفق عليه ، والثاني أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه ، والثالث أخرجه أحمد وأبو داود ، والرابع أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة . فهذه الأحاديث تدل على أنه لا حد للمهر في جانب القلة بل إذا كان له قيمة صح أن يكون مهراً . وأما في جانب الكثرة فكذلك أيضاً لا حد له ولذلك ذكر الله القنطار وكانت مهور زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم لكل واحدة اثنتا عشرة أوقية ونصف عن خمسمائة درهم فمن زعم أن المهر لا يكون إلا كذا فعليه الدليل الصحيح ولا ريب أن المغالاة في المهور مكروهة كما تقدم .
ومن تزوج امرأة ولم يسم لها صداقاً فلها مهر نسائها إذا دخل بها لحديث علقمة عند أحمد وأهل السنن والحاكم والبيهقي وصححه الترمذي وابن حبان قال أتى عبد الله يعني ابن مسعود في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقاً ولم يكن دخل بها قال فاختلفوا إليه فقال أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قضى في بروع ابنه واشق بمثل ما قضى وفي أعلام الموقعين سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً حتى مات فقضى لها على صداق نسائها وعليها العدة ولها الميراث ذكره أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وغيره . قال ابن القيم وهذه فتوى لا معارض لها فلا سبيل إلى العدول عنها انتهى .
ويستحب تقديم شئ من المهر قبل الدخول لحديث ابن عباس المتقدم قريباً . وأخرج أبو داود وابن ماجة من حديث عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله وسلم عليه أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً ولا يعارض هذا حديث ابن عباس فإن غاية ما فيه أنه يدل على أن تقدمة شيء من المهر قبل الدخول غير واجبة ولا ينفي كونها مستحبة .
وعليه شإحسان العشرة لقوله تعالى وعاشروهن بالمعروف وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن المرأة كالضلع إن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها فاستوصوا بالنساء وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديثه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله وسلم عليه أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم وأخرج الترمذي وصححه من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله وسلم عليه خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وقال في الحجة البالغة : الإنسان إذا أراد استيفاء مقاصد المنزل منها لا بد أن يجاوز عن محقرات الأمور ويكظم الغيظ فيما يجده خلاف هواه إلا ما يكون من باب الغيرة المحمودة وتداركاً لجور ونحو ذلك . والواجب الأصلى هو المعاشرة بالمعروف وبينها النبي صلى الله وسلم عليه بالرزق والكسوة وحسن المعاملة ولا يمكن في الشرائع المستندة إلى الوحي أن يعين جنس القوت وقدره مثلاً فإنه لا يكاد يتفق أهل الأرض على شئ واحد ولذلك إنما أمر أمراً مطلقاً . قال في المسوى إذا أعسر الزوج بنفقة امرأته فهل يثبت لها حق الخروج من النكاح قال الشافعي : لها الخروج عن النكاح . وقال أبو حنيفة : ليس لها ذلك ، وكذلك الخلاف في الإعسار بالصداق إلا أن عند الشافعي في الإعسار بالنفقة إذا رضيت مرة ثم بدا لها فلها الخروج وفي الإعسار بالصداق إذا رضيت مرة سقط حقها انتهى .
وعليها الطاعة لقوله تعالى فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح وأخرج أهل السنن وصححه الترمذي من حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله وسلم عليه فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن لكم من نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن وفي الباب أحادث كثيرة . واما ان عليها خدمته في بيته أم لا ؟ فأقول : ايجاب ذلك عليها غير ظاهر ولكن قد كان نساء الصحابة يعملن الأعمال التي تصلح المعيشة بل ويعملن من الأعمال الخارجة عن ذلك ما هو متبالغ في المشقة ، ولم يسمع أن امرأة امتنعت من ذلك وقالت هذا ليس علي أو لست ممن يعمل هذه الأعمال لكوني بمكان من الشرف أو بمحل من الجمال . فقد صح في الصحيحين وغيرهما أن الرحى أثرت في يد البتول والقربة اثرت في نحرها ولا شرف كشرفها رضي الله عنها وأرضاها فمن زعمت أنه لا يجب عليها إلا تمكين زوجها من الوطء وأرادت الرجوع بأجرة عملها لم تحل اجابتها إلى ذلك . إنما الأشكال إذا امتنعت من المباشرة للأعمال ابتداء قائلة هذا لا يجب علي فإجبارها على ذلك يحتاج إلى دليل . فإن صح الأمر منه صلى الله وسلم عليه للبتول بخدمة زوجها كان ذلك صالحاً للتمسك به على إجبار الممتنعة . وأما استدلال القائلين بعدم الوجوب بقوله تعالى نساؤكم حرث لكم ونحو ذلك فليس مما يفيد المطلوب وكان يكفيهم أن يقولوا لم نقف على دليل يدل على الوجوب ولا يثبت مثل هذا الحكم الشاق بدون ذلك ومجرد تقريره صلى الله وسلم عليه لنسائه ونساء المسلمين على العمل في بيوت الأزواج غايته الجواز لا الوجوب .
ومن كان له زوجان فصاعداً عدل بينهن في القسمة وما تدعو الحاجة إليه لحديث أبي هريرة عند أحمد وأهل السنن والدارمي وابن حبان والحاكم وقال : إسناده على شرط الشيخين وصححه الترمذي عن النبي صلى الله وسلم عليه قال : من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الآخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً وقد كان رسول الله صلى الله وسلم عليه يقسم بين نسائه فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها كما في الصحيح . وأخرج أهل السنن وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله وسلم عليه يقسم فيعدل ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال في الحجة البالغة : والظاهر أن ذلك منه صلى الله وسلم عليه كان تبرعاً وإحساناً من غير وجوب عليه لقوله تعالى: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء وأما في غيره فموضع تأمل واجتهاد . ولكن جمهور الفقهاء أوجبوا القسم واختلفوا في القرعة . أقول : وفيه أن قوله فلم يعدل مجمل لا يدري أي عدل أريد به انتهى .
أقول واما الأمة المعقود عليها عقد نكاح فيصدق عليها أنها زوجة ويصدق عليها أنها امرأه فيكون الوعيد الوارد فيمن له زوجتان أو امرأتان شاملاً لهما . فالقول بأن الأمة لا تستحق إلا نصف الحرة في القسمة محتاج إلى دليل ولم يصح في المرفوع شئ والموقوف على الصحابة وكذلك المرسلات ليس فيها حجة .
وأما الكلام حال الجماع فقد استدل بعض أهل العلم على كراهة الكلام حال الجماع بالقياس على كراهته حال قضاء الحاجة فإن كان ذلك يجامع الاستخباث . فباطل فإن حالة الجماع حالة مستلذة لا حالة مستخبثة وفي المكالمة حالته نوع من إحسان العشرة بل فيه لذة ظاهرة كما قال بعض الشعراء :
ويعجبني منك حال الجماع لين الكلام وضعف النظر
وإن كان الجامع شيئاً آخر فما هو ؟ فإن النبي صلى الله وسلم عليه قد شرع الملاعبة والمداعبة ، ووقت الجماع أولى بذلك من غيره .
وإذا سافر أقرع بينهن دفعاً لوحر الصدر لحديث عائشة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله وسلم عليه كان إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها .
وللمرأة أن تهب نوبتها أو تصالح الزوج على إسقاطها لحديث عائشة في الصحيحين وغيرهما أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله وسلم عليه يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وفي الصحيحين عن تفسير قوله تعالى : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير قالت : هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها فتقول له : امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي .
ويقيم عند الجديدة البكر سبعاً والثيب ثلاثاً لأن البكر الرغبة فيها أتم والحاجة إلى تأليف قلبها أكثر فجعل قدرها السبع وقدر الثيب الثلاث لحديث أم سلمة عند مسلم وغيره أن النبي صلى الله وسلم عليه لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وفي الصحيحين من حديث أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم وفي الباب أحاديث ولا يجوز العزل يشير إلى كراهة العزل من غير تحريم . قال في المسوى : اختلف أهل العلم في العزل فرخص فيه غير واحد من الصحابة والتابعين وكرهه جمع منهم ولا شك أن تركه أولى وبالجملة . فدليله حديث جذامة بنت وهب الأسدية أنهم سألوا رسول الله صلى الله وسلم عليه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي أخرجه مسلم وغيره . وأخرج أحمد وابن ماجة عن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله وسلم عليه عن أن نعزل عن الحرة إلا بإذنها وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال . وأخرج عبد الرزاق والبيهقي من حديث ابن عباس قال نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها وقد استدل من جوز العزل بحديث جابر في مسلم وغيره قال كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله وسلم عليه والقرآن ينزل وفي رواية فبلغه ذلك فلم ينهنا وغايته أن جابراً لم يعلم بالنهي وقد علمه غيره وأما ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله وسلم عليه قال لما سألوه عن العزل ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة فقد قيل إن معناه النهي وقيل إن معناه ليس عليكم أن تتركوا وغايته الاحتمال ولا يصلح للاستدلال . وأخرج أحمد والترمذي والنسائي بإسناد رجاله ثقات قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في العزل أنت تخلقه أنت ترزقه أقرره قراره فإنما ذلك القدر وأخرج أحمد ومسلم من حديث أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله وسلم عليه فقال إني أعزل عن امرأتي فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم تفعل ذلك فقال أشفق على ولدها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لو كان ضاراً ضر فارس والروم وقد حكى ابن عبد البر الاجماع على أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها وتعقب بأن الشافعية تقول أنه لا حق للمرأة في الجماع .
أقول : وفي حديث أبي سعيد الذي أخرجه أهل السنن قال : قيل للنبي صلى الله وسلم عليه زعموا أن العزل هو المؤودة الصغرى فقال : كذبت يهود لو أراد الله أن يخلق لم تستطع أن تصرفه وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة وجابر . ويمكن الجمع بحمل الأحاديث القاضية بالمنع على مجرد الكراهة فقط من دون تحريم .
ولا يجوز إتيان المرأة في دبرها لحديث أبي هريرة عند أحمد وأهل السنن والبزار قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها وفي إسناده الحرث بن مخلد لا يعرف حاله . وأخرج أحمد والترمذي وأبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد وفي إسناده أبو تميمة عنه . قال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة . وقال البزار هذا حديث منكر . وفي إسناده أيضاً حكيم بن الاثرم . قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشئ . وأخرج أحمد وابن ماجة من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول . وفي الباب عن علي بن أبي طالب عند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : لا تأتوا النساء في إعجازهن . أو قال في أدبارهن ورجال إسناده ثقات . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد والنسائي أن النبي صلى الله وسلم عليه قال في الذي يأتي إمرأته في دبرها هو اللوطية الصغري وفي الباب أحاديث وبعضها يقوي بعضاً . وحكي عن بعض أهل العلم الجواز واستدلوا بقوله تعالى فاتوا حرثكم أنى شئتم والبحث طويل لا يتسع المقام لبسطه .
أقول : كان اليهود يضيقون في هيئة المباشرة من غير حكم سماوي . وكان الأنصار ومن وليهم يأخذون سنتهم . وكانوا يقولون إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت هذه الآية أي أقبل وأدبر ما كان في صمام واحد وذلك لأنه لا شئ تتعلق به المصلحة المدنية والملية والإنسان أعرف بمصلحة خاصة نفسه وإنما كان ذلك من تعمقات اليهود فكان من حقه أن ينسخ . قال في أعلام الموقعين وسألته صلى الله وسلم عليه امرأة من الأنصار عن وطء المرأة في قبلها من ناحية دبرها فتلا عليها قوله تعالى نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم صماماً واحداً ذكره أحمد . وسأله صلى الله وسلم عليه عمر فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك ؟ قال : حولت رحلى البارحة فلم يرد عليه شيئاً فأوحى الله تعالى إلى رسوله نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر ذكره أحمد والترمذي . وهذا هو الذي أباحه الله تعالى ورسوله وهو الوطء من الدبر لا في الدبر انتهى .
أقول : هذه النصوص المذكورة فيها مقالات لأئمة الحديث ولكن لها طرق عن جماعة من الصحابة وهي منتهضة بمجموعها على فرض أن معنى قوله تعالى أنى شئتم أين شئتم فإن كل ما في هذه الأحاديث من المقالات لا يبلغ بواحد منها إلى حد السقوط عن درجة الاعتبار . وقد استوفي الماتن رحمه الله البحث في النيل . واستوفاه الجلال في ضوء النهار وساق الأدلة برصانة ومتانة رحمه الله . وأعظم ما يستشكل في المقام ما صح عن ابن عمر من طرق أنه قرأ نساؤكم حرث لكم فقال تدري يا نافع فيم أنزلت هذه الآية قال لا قال في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فوجد من ذلك وجداً شديداً فأنزل الله سبحانه نساؤكم حرث لكم لكنه قد وهمه حبر الأمة ابن عباس في ذلك كما في سنن أبي داود *

فصل الولد للفراش ولا عبرة لشبهه بغير صاحبه
الولد للفراش وللعاهر الحجر ولا عبرة لشبهه بغير صاحبه لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه الولد للفراش وللعاهر الحجر وفيهما أيضاً من حديث عائشة قالت اختصم سعد ابن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله وسلم عليه فقال سعد يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي فنظر رسول الله صلى الله وسلم عليه إلى شبهه فرأى شبهاً بيناً بعتبة وقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة .
وإذا اشترك ثلاثة في وطء أمة طهر ملكها كل واحد منهم فيه فجاءت بولد وادعوه جميعاً فيقرع بينهم ومن استحقه بالقرعة فعليه للآخرين ثلثا الدية لما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي من حديث زيد بن أرقم قال : أتى علي وهو باليمن بثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين وقال اتقران لهذا بالولد قالا لا . ثم سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا . فجعل كلما سأل اثنين اتقران لهذا بالولد قالا لا . فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية . فذكر ذلك للنبي صلى الله وسلم عليه فضحك حتى بدت نواجذه وأخرجه النسائي وأبو داود موقوفاً على علي بإسناد أجود من الأول لأن في الإسناد الأول يحيى بن عبد الله الكندي المعروف بالأجلح وقد وثقه يحيى بن معين والعجلي وضعفه النسائي بما لا يوجب ضعفاً . وقد أخذ بالقرعة مطلقاً مالك والشافعي وأحمد . والجمهور حكي ذلك عنهم ابن رسلان في كتاب العتق من شرح السنن وقد ورد العمل بها في مواضع هذا منها .
أقول القرعة قد صح الدليل باعتبارها كما أوضحت ذلك في ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي . وأوضحه الماتن في شرح المنتقى فإذا اعوز الأمر ولم يمكن التعيين بسبب من الأسباب الراجعة إلى ثبوت الفراش أو البينة أو نحوهما فإنه يرجع إلى القرعة فقد اعتبرها صلى الله وسلم عليه في الإلحاق مع الاختلاف واعتبرها في تعيين من يعتق كما في حديث من أوصى بعتق ستة أعبد فأقرع بينهم واعتق اثنين وأرق أربعة بعد أن جزأهم ثلاثة أجزاء وأعتق الجزء الذي وقعت عليه القرعة . وورد أيضاً غير ذلك .
فالحاصل أن القرعة معتبرة شرعاً في غير باب *

كتاب الطلاق

هو مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك ومنه طلقت البلاد أي تركتها .
هو جائز بنص الكتاب العزيز ، ومتواتر السنة المطهرة ، وإجماع المسلمين ، وهو قطعي من قطعيات الشريعة ولكنه يكره مع عدم الحاجة وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه من حديث ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وأخرج أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن عمر عن النبي صلى الله وسلم عليه قال : أبغض الحلال إلى الله الطلاق .
وقال في الحجة البالغة : إن في الإكثار من الطلاق وجريان الرسم بعدم المبالاة به مفاسد كثيرة . وذلك أن ناساً ينقادون لشهوة الفرج ولا يقصدون إقامة تدبير المنزل ولا التعاون في الارتفاقات ولا تحصين الفرج ، وانما مطمح أبصارهم التلذذ بالنساء وذوق لذة كل امرأة ، فيهيجهم ذلك إلى أن يكثروا الطلاق والنكاح . ولا فرق بينهم وبين الزناة من جهة ما يرجع إلى نفوسهم وإن تميزوا عنهم بإقامة سنة النكاح والموافقة لسياسته المدنية وهو قوله صلى الله وسلم عليه لعن الله الذواقين والذواقات انتهى .
أقول : هذا الحديث ذكره صاحب الحجة تبعاً لابن همام من غير تخريج ولم أجده في كتب الحديث مخرجاً . نعم حديث لا أحب الذواقين من الرجال والذواقات من النساء رواه الطبراني عن أبي موسى مرفوعاً ، وكذا الدارقطني في الإفراد ، وهو في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ إن الله لا يحب الخ . قال شراحه وفي سنده راو لم يسم . وأما حديث إن الله يكره المطلاق الذواق فقال السخاوي : لا أعرفه كذلك . ثم قال في الحجة : وأيضا ففي جريان الرسم بذلك إهمال لتوطين النفس على المعاونة الداعية أو شبه الداعية ، وعسى إن فتح هذا الباب أن يضيق صدره أو صدرها في شئ من محقرات الأمور فيندفعان إلى الفراق . وأين ذلك من احتمال أعباء الصحبة والاجماع على إدامة هذا النظم . وأيضاً فإن اعتيادهن بذلك وعدم مبالاة الناس به وعدم حزنهم عليه يفتح باب الوقاحة . وأن لا يجعل كل منهما ضرر الآخر ضرر نفسه . وأن يخون كل واحد الآخر يمهد لنفسه إن وقع الافتراق وفي ذلك ما لا يخفى ومع ذلك لا يمكن سد هذا الباب والتضييق فيه فإنه قد يصير الزوجان متناشزين إما لسوء خلقهما أو لطموح عين أحدهما إلى حسن إنسان آخر أو لضيق معيشتهما أو لخرق واحد منهما ونحو ذلك من الأسباب . فيكون إدامة هذا النظم مع ذلك بلاء عظيماً وحرجاً انتهى .
من مكلف مختار لأن أمر الصغير إلى وليه . وطلاق المكره لا حكم له . والأدلة على هاتين المسألتين مقررة في مواضعهما . وقال صلى الله تعالى عليه وسلم لا طلاق ولا عتاق في إغلاق معناه في إكراه وطلاق المكره هدر .
ولو هازلاً وهو الذي يتكلم من غير قصد لموجبه وحقيقته بل على وجه اللعب ونقيضه الجاد من الجد بكسر الجيم وهو نقيض الهزل لحديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود وابن ماجة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب ابن أردك وهو مختلف فيه . وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني مرفوعاً ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق وفي إسناده ابن لهيعة . وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بن أسامة في مسنده مرفوعاً بنحوه وزاد فمن قالهن فقد وجبن وفي إسناده انقطاع . وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ، ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز وفي إسناده أيضاً انقطاع . وعن علي موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً وعن عمر مرفوعاً عنده أيضاً. وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً . قال ابن القيم : وأما طلاق الهازل فيقع عند الجمهور وكذلك نكاحه صحيح كما به النص وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور حكاه أبو حفص أيضاً عن أحمد وهو قول الصحابة وقول طائفة من أصحاب الشافعي . وذكر بعضهم أن الشافعي نص على أن نكاح الهازل لا يصح بخلاف طلاقه . ومذهب مالك رواه ابن القاسم عنه وعليه العمل عند أصحابه إن هزل النكاح والطلاق لازم بخلاف البيع انتهى .
لمن كانت في طهر لم يمسها فيه ولا طلقها في الحيضة التي قبله أو في حمل قد استبان أقول : ويشترط في طلاق السنة أن لا تكن المرأة حائضاً وهذا لغضبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على ابن عمر لما طلق امرأته في الحيض كما في الصحيحين وغيرهما . وأما اشتراط أن لا تكون نفساء فلأن قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث ابن عمر ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإذا بدا له أن يطلقها فليطلقها فهذا فيه ان طلاق السنة يكون حال الطهر ، والنفاس ليس بطهر ، وأما اشتراط أن يكون في طهر لم يجامعها فيه فلقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث ابن عمر فليطلقها قبل أن يمسها يعني في ذلك الطهر . وأما اشتراط أن لا يطلقها في ذلك الطهر أكثر من طلقة فلما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد ان يتبعها تطليقتين أخريين عند القرء فبلغ ذلك النبي صلى الله وسلم عليه فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قر وفي لفظ في كل قرء تطليقة وقد أنكر الحافظ ابن حجر هذه الرواية . وأخرج النسائي من حديث محمود ابن لبيد قال : أخبر رسول الله صلى الله وسلم عليه عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهر كم وأما اشتراط أن لا يطلقها في طهر قد طلقها في حيضه المتقدم ، فلأمره صلى الله وسلم عليه لابن عمر أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر . فلولا أن الطلاق في الحيض مانع من الطلاق في الطهر المتعقب له لم يأمره بإمساكها في الطهر الذي عقب الحيضة التي طلقها فيها . وجميع ما ذكرناه من حديث ابن عمر متفق عليه إلا رواية الدارقطني التي ذكرناها . وفي رواية من حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والنسائي أن النبي أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق أو أمسك وفي لفظ لمسلم أيضاً والترمذي مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً وظاهر هاتين الروايتين ، أن الطلاق في الطهر المتعقب للحيضة التي وقع الطلاق فيها ، يكون طلاق سنة لا بدعة. ولكن الرواية الأولى التي فيها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر متضمنة لزيادة يجب العمل بها . وهي أيضاً في الصحيحين فكانت أرجح من وجهين . ويدل على قوله أو حاملاً ، إن طلاق الحامل للسنة وأما من كانت صغيرة أو آيسة أو منقطعاً حيضها فالظاهر أنه يكون طلاقها للسنة من غير شرط إلا مجرد افراد الطلاق . وأما القول بأنه ليس بسنة ولا بدعة كما في البحر وغيره ففاسد لأن الأصل عدم عروض ما يمنع من الطلاق المشروع .
ويحرم إيقاعه على غير هذه الصفة لحديث ابن عمر عند مسلم وأهل السنن وأحمد أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله وسلم عليه فقال : مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً وفي لفظ أنه قال : ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها قبل أن يمسها ، فتلك العدة كما أمر الله وهو في الصحيحين وغيرهما . وفي رواية في الصحيح أنه قرأ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وللحديث ألفاظ . ووقع الخلاف بين الرواة هل حسبت تلك الطلقة أم لا ؟ ورواية عدم الحسبان لها أرجح . وقد أوضح الماتن هذه المسألة في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة والخلاف طويل والأدلة كثيرة ، والراجح عدم وقوع البدعي لما ذكره هنالك . وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله وسلم عليه : ليس ذلك بشئ وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا يعتد بذلك وإسناده صحيح وقد تابع أبا الزبير الراوي لعدم الحسبان لتطليقة ابن عمر المذكورة في الحديث أربعة عبد الله بن عمر العمري ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رواد ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولو لم يكن في المقام إلا قول الله عز وجل يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وقد تقرر أن الأمر بالشئ نهى عن ضده ، والنهي يقتضي الفساد . وقول الله تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والمطلق على غير ما أمر الله تعالى به لم بسرح بإحسان . وقد ذهب إلى عدم الوقوع جماعة من السلف كابن علية وإليه ذهب ابن حزم وابن تيمية . وذهب الجمهور إلى الوقوع .
وفي وقوعه أقول : هذه المسألة من المعارك التي لا يجول في حافاتها إلا الأبطال ، ولا يقف على تحقيق الحق في أبوابها إلا أفراد الرجال . والمقام يضيق عن تحريرها على وجه ينتج المطلوب . فمن رام الوقوف على سرها فعليه بمؤلفات ابن حزم كالمحلي . ومؤلفات ابن القيم كالهدي . وقد جمع السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في ذلك مصنفاً حافلاً . وجمع الإمام الشوكاني رسالة ذكر فيها حاصل ما يحتاج إليه من ذيول المسألة وقرر ما ألهم الله إليه وذكر في شرح المنتقى أطرافاً من ذلك .
وخلاصة ماعول عليه القائلون بوقوع الطلاق البدعي هو اندراجه تحت الآيات العامة وتصريح ابن عمر بأنها حسبت تلك طلقة . وأجاب القائلون بعدم الوقوع عنهم بمنع اندراجه تحت العمومات لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به ، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه قال فطلقوهن لعدتهن وقال صلى الله عليه وسلم : مره فليراجعها وصح أنه غضب عند أن بلغه ذلك وهو لايغضب مما أحله الله . وأما قول ابن عمر : أنها حسبت فلم يبين من الحاسب لها ، بل أخرج عنه أحمد وأبو داود والنسائي أنه طلق امرأته وهي حائض فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئاً وإسناد هذه الرواية صحيح ولم يأت من تكلم عليها بطائل ، وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئاً هو رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فلا يعارضها قول ابن عمر لأن الحجة في روايته لا في رايه . وأما الرواية بلفظ مره فليراجعها ويعتد بتطليقه فهذه لو صحت لكانت حجة ظاهرة ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في الهدي . وقد روي في ذلك روايات في أسانيدها مجاهيل وكذابون لا تثبت الحجة بشئ منها .
والحاصل أن الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السنة يقال له طلاق بدعة . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن كل بدعة ضلالة . ولا خلاف أيضاً أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله في كتابه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر . وما خالف ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو رد لحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وهو حديث متفق عليه . فمن زعم أن هذه البدعة يلزم حكمها وأن هذا الأمر الذي ليس من أمره صلى الله عليه وسلم يقع من فاعله ويعتد به لم يقبل منه ذلك إلا بدليل وإذا كان من جلمة طلاق البدعة ايقاع الثلاث دفعة كما سيأتي فهذه الصورة من طلاق البدعة بخصوصها .
ووقوع ما فوق الواحدة من دون تخلل رجعة خلاف قال الماتن في رسالته في هذا الباب : اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقوال : الأول وقوع جميعها وهو مذهب الأئمة وجمهور العلماء وكثير من الصحابة وفريق من أهل البيت . الثاني عدم الوقوع مطلقاً لا واحدة ولا ما فوقها لأنه بدعة محرمة وهذا المذهب حكاه ابن حزم . وحكى للإمام أحد ما يكفي وقال : هو مذهب الرافضة *
قلت : بل هو مذهب جماعة من التابعين كما حكاه الليث ومذهب ابن علية وهشام بن الحكم وجميع الأمامية ومن أهل البيت عليهم السلام الباقر والصادق والناصر وبه قال أبو عبيدة وبعض الظاهرية لأن هؤلاء قالوا : إن الطلاق البدعي لا يقع والثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة لا يقع . الثالث وقع الثلاث أن كانت المطلقة مدخولة وواحدة إن لم تكن كذلك وهذا هو مذهب جماعة من أصحاب ابن عباس واسحق بن راهوية . الرابع أنه يقع واحدة رجعية من غير فرق بين المدخول بها وغيرها وهذا مذهب ابن عباس على الأصح وابن اسحق وعطاء وعكرمة وأكثر أهل البيت وهذا أصح الأقوال انتهى . ثم سرد أدلة هؤلاء ورجح القول الرابع فليرجع إليه .
قال ابن القيم : قد صح عنه صلى الله عليه تعالى وآله وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عهده وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك ولم يبلغه . وهذا وإن كان كالمستحيل فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك . وقد أفتى هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد ولا معارض لذلك . ورأى عمر رضي الله تعالى عنه أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجراً لهم لئلا يرسلوها جملة وهذا إجتهاد منه رضي الله تعالى عنه غايته أن يكون سائغاً لمصلحة رآها ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته . فإذا ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء وبالله التوفيق انتهى .
الراجح عدم الوقوع قال الماتن ذهب الجمهور إلى أنه يقع وأن الطلاق يتبع الطلاق . وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطالق بل يقع واحدة . وقد حكي ذلك عن أبي موسى وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى ورواية عن علي ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تميمة والحافظ ابن القيم وقد حكاه ابن مغيث في كتاب الوثائق عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وحكاه أيضاً عن جماعة من مشايخ قرطبة ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس . واستدل الجمهور بحديث ركانة بن عبد الله أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما أردت إلا واحد قال ركانة : والله ما أردت إلى واحدة فردها إليه أخرجه الشافعي وأبو داود والترمذي وصححه أبو داود وابن حبان والحاكم وفي إسناده أيضاً الزبير بن سعيد الهاشمي . وقد ضعفه غير واحد وقيل أنه متروك . وفي إسناده أيضاً نافع بن عجير وهو مجهول ومتنه أيضاً مضطرب كما قال البخاري ففي لفظ منه أنه طلقها ثلاثاً وفي لفظ واحدة وفي لفظ البتة وقال أحمد : طرقه كلها ضعيفة . وأما استدلالهم بقوله تعالى الطلاق مرتان وبقوله فإن طلقها فلا تحل له فليس في ذلك من الحجة شئ بل هو عليهم لا لهم . وقد حقق هذا صاحب الهدي بما يشفي . وقد ورد ما يدل على أن الطلاق يتبع الطلاق وليس في الصحيح شئ من ذلك . وأرجح من الجميع والحجة في هذا المقام حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم وغيره أن الطلاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر الثلاث واحدة فلما كان في عهد عمر تتابع الناس فأجازه عليهم انتهى . وكل رجال إسناده أئمة وله ألفاظ وأسانيد وفي لفظ أن أبا الصهباء قال له ألم تعلم أن الثلاث كانت واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر قال نعم ولم يأت من حاول التخلص عنه بحجة تنفق . والتمسك بما في بعض الروايات من تقييد ذلك بالطلاق قبل الدخول لا وجه له . فإن الطلاق لا يتفاوت الحال فيه قبل الدخول وبعده وإذا ثبت الحكم في أحدهما ثبت في الآخر ومن ادعي الفرق فعليه إيضاحه . وفي حديث محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاثاً جمعاً فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال : يارسول الله ألا أقتله وقد أخرجه النسائي بإسناد صحيح . وروى البيهقي عن ابن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها ؟ فقال : طلقتها ثلاثاً فقال : في مجلس واحد قال : نعم قال : إنما تلك واحدة إن شئت فراجعها وأخرج نحوه عبد الرزاق ، وأبو داود من حديثه ، وهذا خلاصة الحجج في هذه المسألة وهي طويلة الذيول ، كثيرة النقول ، متشعبة الأطراف ، قديمة الخلاف ، والإحاطة بجميع ما فيها من الأقوال وأدلتها وتصحيحها يحتمل مصنفاً مستقلاً ، وقد جمع في ذلك شيخنا العلامة الشوكاني رسالة بسط فيها بعض البسط ، وقد امتحن بهذه المسألة جماعة من العلماء منه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وجماعة ممن بعده ، والحق بأيديهم ، ولكن لما كان مذهب الأربعة الأئمة أن الطلاق يتبع الطلاق ، كان المخالف لذلك عند عامة أتباعهم ، وكثير من خاصتهم كالمخالف للإجماع . وقد ظهر مما سقناه ههنا من الأدلة والنقول أن الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد أو ألفاظ في مجلس واحد من دون تخلل رجعة يقع واحدة ، وإن كان بدعياً فتكون هذه الصورة من صور الطلاق البدعي واقعة مع إثم الفاعل دون سائر صور البدعي فلا يقع الطلاق فيها لما قدمنا تحقيقه ، وأطال ابن القيم في تخريج أحاديث الباب والكلام عليها ، وأثبته بالكتاب ، والسنة ، واللغة ، والعرف ، وعمل أكثر الصحابة . ثم قال بعد ذلك فهذا كتاب الله تعالى ، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه لغة العرب ، وهذا عرف التخاطب ، وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر على هذا المذهب . فلو عدهم العاد بأسمائهم واحداً واحداً أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى ، وإما بإقرار عليها ، ولو فرض منهم من لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكراً للفتوى به بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا ، وساكت غير منكر . هذا حال كل صحابي من عهد الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر ، وهم يزيدون على الألف قطعاً كما ذكر يونس بن بكير عن أبي اسحق . فكل صحابي كان على أن الثلاث واحدة بفتوى أو إقرار أو سكوت . ولقد ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفت به قرناً بعد قرن وإلى يومنا هذا . فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال : أنت طالق ثلاثاً بفم واحد فهي واحدة . وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف حكاه عنهما ابن وضاح . وأما التابعون فأفتى به عكرمة وطاوس وأما تابعو التابعين فأفتى به محمد بن اسحق وحلاس بن عمرو والحارث العكلي . وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه وأفتى به بعض أصحاب مالك وأفتى به بعض الحنفية وأفتى به بعض أصحاب أحمد . والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب ، والسنة ، والقياس ، والإجماع القديم ، ولم يأت بعده إجماع يبطله . ولكن رأي أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أن الناس استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم ايقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه . والذي ندين الله تعالى به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lyceeammari.yoo7.com
admin
Admin
admin


عدد المساهمات : 636
نقاط : 14558
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 27/02/2012
العمر : 46

 كتاب النكاح  Empty
مُساهمةموضوع: تابع    كتاب النكاح  I_icon_minitimeالسبت 24 أغسطس 2013 - 4:09

باب الخلع

وفيه شناعة ما ، لأن الذي أعطاه من المال قد وقع في مقابلة المسيس وهو قوله تعالى وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في اللعان حيث قال : إن صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ومع ذلك فربما تقع الحاجة إلى ذلك فذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به قلت : دلت الآية الأولى على النهي عن الخلع والثانية على جوازه فتكلم الفقهاء في ترتيبهما . قال البغوي وغيره إذا آذاها بمنع بعض حقوقها حتى ضجرت فاختلعت نفسها فهذا الفعل منه حرام . ولكن الخلع نافد لأن الله تعالى قال في صورة النهي ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن والعضل التضييق والمنع . وقال : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وهذا إشارة طموح بصره إلى غيرها من غير أن يرى منها التقصير . والخلع المباح بلا كراهية أن تكره المرأة صحبة الزوج ولا يمكنها القيام بأداء حقوقه فتخرج فتخلع نفسها لقوله تعالى إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله إلى أن قال : فلا جناح عليهما ولتقريره صلى الله عليه وسلم حبيبة بنت سهل على الخلع حين ذكرت الشقاق . ولو اختلعت نفسها بلا سبب فجائز مع الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفتشوا عن سبب الإختلاع من جانبها . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق .
أقول : في قولهم هذا الفعل منه حرام ولكن الخلع نافذ نظراً لأن قوله تعالى : لا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وقوله : لا يحل لكم نصان في تحريم أخذ البدل وهو يقتضي بطلان العقد كما في كثير من مسائل البيوع فإما أن يكون العقد باطلاً من أصله أو يمضي الطلاق ويرد عليها ما لها كما قال مالك والله تعالى أعلم .
واتفق أهل العلم على أنه إن طلقها على مال فقبلت فهو طلاق بائن . واختلفوا في الخلع فقال أبو حنيفة : تطليقة بائنة وهو أصح قولي الشافعي وله قول أنه فسخ وليس بطلاق ولا ينقص به العدد كذا في المسوى .
وإذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها بعد الخلع لا ترجع إليه بمجرد الرجعة ويجوز بالقليل والكثير ما لم يجاوز ما صار إليها منه لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ، قالت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها وفي رواية لابن ماجة والنسائي بإسناد رجاله ثقات أنها قالت : لا أطيقه بغضاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته قالت : نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الحديقة ولا يزداد وفي رواية للدارقطني بإسناد صحيح أن أبا الزبير قال إنه كان أصدقها حديقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت : نعم وزيادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الزيادة فلا ولكن حديقته قال : نعم فهذه الفرقة إنما كانت بسبب ماافتدت به المرأة فلو لم يكن أمرها إليها كانت الفدية ضائعة . وقد أفاد ما ذكرناه أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر مما صار إليها منه . وقد ذهب إلى هذا علي وطاوس وعطاء والزهري وأبو حنيفة وأحمد واسحق . وذهب الجمهور إلى أنه يجوز أن يأخذ منها زيادة على ما أخذت منه استدلالاً بقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به فإنه عام للقليل والكثير . ويجاب بأن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لذلك كحديث أما الزيادة فلا صححه الدارقطني فصلح لتخصيص ذلك العموم كما هو الحق عند الماتن رحمه الله من جواز تخصيص عموم القرآن بالآحاد . ومذاهب الصحابة فمن بعدهم في هذا مختلفة مبسوطة في المطولات . وأما ما أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : كانت أختى تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : أتردين حديقته قالت : وأزيد عليها فردت عليه حديقته وزادته ففي إسناده ضعف مع أنه لا حجة فيه لأنه لم يقررها على تسليم الزيادة وأيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله يدل على منع الأخذ مما آتوهن إلا مع ذلك الأمر فلا بأس بأن يأخذوا مما آتوهن لا كله فضلاً عن زيادة عليه .
ولا بد من التراضي بين الزوجين على الخلع أو إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما لقوله تعالى : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأما اعتبار الزام الحاكم فلارتفاع ثابت وامرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلزامه بأن يقبل الحديقة ويطلق ولقوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها وهذه الآية كما تدل على بعث حكمين تدل على اعتبار الشقاق في الخلع . ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ويدل عليه قصة امرأة ثابت المذكورة وقولها أكره الكفر بعد الإسلام ، وقولها لا أطيقه بغضاً . فلهذا اعتبرنا الشقاق في الخلع .
وهو فسخ وليس بطلاق . ولكن قال الماتن رحمه الله في حاشية الشفاء بخلاف ما قال ههنا ، ورجح أن الخلع طلاق وليس بفسخ وقال هذا هو الحق لأن الله سبحانه ذكر أحكام الخلع بعد قوله : الطلاق مرتان والضمائر من آيات الإختلاع راجعة إلى ذلك كقوله : إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله وقوله : فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقد سماه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم طلاقاً كما في صحيح البخاري وغيره . فإنه قال لثابت بن قيس اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ولا يعارضه ما روي في سنن النسائي أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمرها أن تعتد بحيضة وكذلك في سنن أبي داود لأنه ملازمة بين الاعتداد بحيضة وبين الفسخ بل إذا ورد في بعض المطلقات ما يدل على مخالفة عدتها لعدة سائر المطلقات المصرح بها في القرآن كان ذلك مخصصاً لعموم العدة ، وقد أطال ابن القيم الكلام على ذلك ورجح أن الخلع فسخ ولم يأت ببرهان يشفى سوى ما ذكرنا من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لها أن تعتد بحيضة وهو في غير محل النزاع كما عرفت انتهى .
ثم رجح في فتاواه المسماة بالفتح الرباني كون الخلع فسخاً وقال : الظاهر أنه فسخ لا طلاق ، وهو قول جماعة من العلماء منهم ابن عباس رواه عنه ابن عبد البر في التمهيد ، وكذلك رواه عن أحمد واسحق وداود وهو قول الصادق والباقر ، وأحد قولي الشافعي ، ومن قال بذلك لم يشترط فيه أن يكون للسنة ، وأجازه في الحيض وأوقعه وإن كان لا يرى وقوع الطلاق البدعي ، واحتجوا لذلك بقول الله تعالى الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء ثم عقبة بقوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فلو كان الاقتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع . وبحديث الربيع أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة أخرجه الترمذي . وبحديث ابن عباس الآتي في قصة امرأة ثابت بن قيس قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : بحثت عن رجال الحديثين معاً فوجدتهم ثقات . ولحديث رواه مالك عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها قالت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يارسول الله كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت : خذ منها فأخذ وجلست في أهلها قال ابن عبد البر لم يختلف على مالك في هذا الحديث وهو حديث مسند صحيح ووجه دلالته أنه لم يذكر فيه طلاقاً ولا زاد على الفرقة ، ويدل على ذلك من النظر أنه لا يجعله طلاقاً بائناً ولا رجعياً . أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة . وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة ولا يرد على هذا أعني الاكتفاء في العدة بحيضة قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء لأن الخلع عندهم فسخ لا طلاق فلا يندرج تحت عمومه سلمنا . فالآية في الطلاق الرجعي بدليل آخرها وهو قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن سلمنا . فالآية عامة وأدلتنا خاصة . وذهب الجمهور إلى أنه طلاق مستدلين بحديث ابن عباس عند البخاري ، وأبي داود بلفظ طلقها تطليقة قلنا ثبت من حديث المرأة نفسها عند الموطأ وأبي داود والنسائي بلفظ وخل سبيلها وعند أبي داود من حديث عائشة بلفظ وصاحب القصة أخص بها قال ابن القيم رحمه الله : لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة . وقال الخطابي في معالم السنن : أنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقوله تعالى الطلاق مرتان انتهى . ومخالفة الراوي لما روى دليل على علمه بناسخ لوجوب حمله على السلامة . قال الترمذي : قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة الطلاق . قلت : قد عرفت أن ابن القيم قال أنه لم يصح عن صحابي ، وعرفت الأدلة الدالة على أن العدة بحيضة ، ولاحجة في أحد غير الشارع . قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : وقد استدل الزيدية في أنه طلاق بثلاثة أحاديث ، وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد ، وأنها معارضة بما هو أرجح ، وأن أهل الصحاح لم يذكروها . واختلف العلماء أيضاً في شروط الخلع ، فالزيدية جعلوا منها النشوز وهو قول داود الظاهري والجمهور على أنه ليس بشرط وهو الحق ، لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها ولذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق . قال العلامة ابن الوزير : ثم تأملت فإذا الأمر المشترط فيه خوف أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع لقوله تعالى : فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولم يقل في الخلع . يوضحه أنه لوضارها حرم عليه لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن انتهى . ثم قال في السيل الجرار بعد ذكر أدلة الفريقين الدالة على أن الخلع طلاق أو فسخ ما نصه: فهذه الآحاديث تدل على أنه فسخ لا طلاق . قال : والذي ينبغي الجمع به هو أن عدة الخلع حيضة لا غير ، وليس الغير سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره مما يشعر بتخلية السبيل أو بتركها وشأنها من دون أن يجري منه لفظ قط . قد يكون الوارد في هذا الطلاق الكائن في الخلع مخصصاً لما ورد في عدة المطلقة فتكون عدة الطلاق ثلاثة قروء إلا إذا كان الطلاق مع الإفتداء فإنه حيضة واحدة ، ولا تحسب عليه طلقة إلا إذا جاء بلفظ الطلاق أو بما يدل عليه ، لا إذا لم يقع منه لفظ البتة بل تركها وشأنها فإن هذا لا يحسب عليه طلاقاً بهذا التقرير تجتمع الأدلة ويرتفع الأشكال على كل تقدير ، وأما كونه يمنع الرجعة فلما قدمنا أن الطلاق لا يتبع الطلاق انتهى .
وعدته حيضة لحديث الربيع بنت معوذ عند النسائي في قصة امرأة ثابت أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال له : خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال : نعم فأمرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها ورجال إسناده كلهم ثقات . ولها حديث آخر عند الترمذي والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمرها أن تعتد بحيضة وفي إسناده محمد بن اسحق وقد صرح بالتحديث . وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس إختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة وأخرج الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي الزبير وفيه فأخذها وخلى سبيلها قال الدارقطني : سمعه أبو الزبير من غير واحد فهذه الأحاديث كما تدل على أن العدة في الخلع حيضة ، تدل على أنه فسخ ، لأن عدة الطلاق ثلاث حيض ، وأيضاً تخلية السبيل هي الفسخ لا الطلاق ، وأما ما وقع في بعض روايات الحديث أنه طلقها تطليقة فقد أجيب عن ذلك بجوابات طويلة قد أودعها الماتن في شرح المنتقى فليرجع إليه . قال ابن القيم : واختلف الناس في عدة المختلعة فذهب اسحق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلاً أنها تعتد بحيضة واحدة وهو مذهب عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وقد حكى إجماع الصحابة ولا يعلم لهما مخالف وقد دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة دلالة صريحة وعذر من خالفها أنها لم تبلغه أو لم تصح عنده أوظن الإجماع على خلاف موجبها . فهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر . أما رجحانه أثراً فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المختلعة قط أن تعتد بثلاث حيض بل قد روى أهل السنن عنه من حديث الربيع بنت معوذ وحديث امرأة ثابت بن قيس المتقدمة وهذه الأحاديث لها طرق يصدق بعضها بعضاً فيكفي في ذلك فتاوي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ هو إجماع من الصحابة انتهى حاصله *

باب الإيلاء

هو أن يحلف الزوج من جميع نسائه أو بعضهن لا أقربهن وهو ظاهر .
فإن وقت بدون أربعة أشهر اعتزل حتى ينقضي ما وقت به لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهراً ثم دخل بهن بعد ذلك .
وإن وقت بأكثر منها خير بعد مضيها بين أن يفىء أو يطلق لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية . وقد أخرج البخاري عن ابن عمر قال : إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق قال البخاري : ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج الدارقطني عن سليمان ابن يسار قال : أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقفون المولى . وأخرج أيضاً عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت اثنى عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يولي قالوا : ليس عليه شئ حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق . قال في المسوى : إختلفوا فيما إذا انقضت أربعة أشهر وهو لم يفيء . قال الشافعي : لا يقع الطلاق بمضيها بل يوقف فإما أن يفيء ويكفر عن يمينه أو يطلق ، فإن طلق فيها وإلا طلق عليه السلطان . وقال أبو حنيفة : إذا مضت أربعة أشهر وقعت عليها طلقة بائنة . وقال سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن : يقع عليها طلقة رجعية انتهى .
قال الماتن : وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً . قالوا : فإن حلف على أنقص لم يكن مولياً واحتجوا بالآية وهي لا تدل على مطلوبهم لأنها لبيان المدة التي تضرب للمولى ليفئ بعدها أو يطلق ، وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم الإيلاء شهراً ودخل على نسائه بعده ، فلو كان الإيلاء دون أربعة أشهر جماعة من أهل العلم وهو الحق . وأما لزوم الحد إذا نكلت فقد أوضح ابن القيم في الهدي هذا البحث بما لا مزيد عليه فليراجع فإنه لا يستغني عنه . قال في المسوى : إيلاء العبد نحو إيلاء الحر وهو عليه واجب ، وإيلاء العبد شهران قلت : وعليه مالك ، أن مدة الإيلاء تنتصف برق الرجل . وقال أبو حنيفة : مدة الإيلاء تنتصف برق المرأة وقال الشافعي : الحر والعبد في مدة الإيلاء سواء انتهى *

باب الظهار

وهو قول الزوج لامرأته أنت علي كظهر أمي ، أو ظاهرتك ، أو نحو ذلك ، فيجب عليه قبل أن يمسها أن يكفر بعتق رقبة ، فإن لم يجد فليطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يجد فليصم شهرين متتابعين وإنما جعلت كفارة هذه لأن من مقاصد الكفارة أن يكون بين عيني المكلف ما يكبحه عن الإقتحام في الفعل خشية أن يلزمه ذلك ، ولا يمكن ذلك إلا بكونها طاعة شاقة تغلب على النفس إما من جهة كونها بذل ما تشح به ، أو من جهة مقاساة جوع أو عطش مفرطين . والدليل على ما اشتمل عليه هذا الباب من التكفير على هذا الترتيب ما في القرآن الكريم والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير* فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم وقد بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة سلمة بن صخر لما ظاهر من امرأته ثم وطئها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعتق رقبة فقال : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها وضرب صفحة رقبته قال : فصم شهرين متتابعين قال : قلت يارسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال : فتصدق قال : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا ما لنا عشاء . قال : اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم منها وسقا من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة ، وابن الجارود . وفي لفظ لأبي داود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كله أنت وأهلك وأخرج نحوه أهل السنن ، وصححه الترمذي من حديث ابن عباس ، وصححه أيضاً الحاكم . قال ابن حجر : رجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال . وقال ابن حزم : رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وللحديثين شواهد . وأخرج نحوه أبو داود ، وأحمد من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة . وأخرج ابن ماجه نحوه من حديث عائشة . وأخرجه الحاكم أيضاً ، وقد قام الإجماع على أن الكفارة تجب بعد العود لقوله تعالى ثم يعودون لما قالوا واختلف أهل العلم هل العلة في وجوبها العود أو الظهار . واختلفوا أيضاً هل المحرم الوطء فقط أم هو مع متقدماته . فذهب الجمهور إلى الثاني لقوله تعالى : من قبل أن يتماسا وذهب البعض إلى الأول قالوا : لأن المسيس كناية عن الجماع ، واختلفوا في العود ما هو ؟ فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه : أنه إرادة المسيس لما حرم بالظهار ، لأنه إذا أراد فقد عاد من عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا . وقال الشافعي : بل هو إمساكها بعد الظهار وقتاً يسع الطلاق ولم يطلق . إذ تشبيهها بالام يقتضي ابانتها ، وإمساكها نقيضه . وقال مالك وأحمد : بل هو العزم على الوطء فقط وأن لم يطأ . وقد وقع الخلاف أيضاً إذا وطيء المظاهر قبل التكفير فقيل : تجب عليه كفارتان وقيل : ثلاث وقيل : تسقط الكفارة ، وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة وهو الحق كما تفيده الأدلة المذكورة * وأعلم أن الرقبة وإن كانت مطلقة في كفارة الظهار ، فقد ورد ما يدل على إعتبار كونها مؤمنة ، وليس ذلك الدال على إعتبار الإيمان هو ما وقع في القرآن في كفارة القتل ، لما تقرر في الأصول أن المختلفين سبباً لا يصح تقييد أحدهما بالآخر بل الدال على ذلك هو سؤاله صلى الله عليه وسلم لمن قال عليه رقبة عن إيمانها ، وقوله لها أين الله ؟ ومن أنا ؟ ثم قال : أعتقها فإنها مؤمنة كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي ولم يستفصله صلى الله عليه وسلم عن وجوب تلك الرقبة عليه هل هو عن كفارة ظهار ، أو قتل ، أو يمين ، أو غير ذلك ؟ وقد تقرر أن ترك الإستفصال ينزل منزلة العموم إذا كان في مقام الإحتمال .
ويجوز للإمام أن يعينه من صدقات المسلمين إذا كان فقيراً لا يقدر على الصوم وله أن يصرف منها لنفسه وعياله وإذا كان الظهار مؤقتاً فلا يرفعه إلا انقضاء الوقت
لتقريره صلى الله عليه وسلم سلمة بن صخر لما قال له أنه ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ، وهو في مسند أحمد ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، وحسنة ، والحاكم ، وصححه ابن خزيمة ، وابن الجارود كما تقدم ، وظاهر القرآن أنه لا يوجب الكفارة إلا العود . فالظهار المؤقت إذا انقضى وقته لم يكن إرادة الوطء عوداً فلا تجب فيه كفارة ، وأما إذا كان الموجب للكفارة قول المنكر والزور فهي واجبة في مطلق ومؤقت لأنه قد وقع القول بمجرد إيقاع الظهار .
وإذا وطيء قبل انقضاء الوقت أو قبل التفكير كف حتى يكفر في المطلق أو ينقضي وقت المؤقت لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمظاهر الذي وطيء امرأته : لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله أخرجه أهل السنن وصححه الترمذي والحاكم . وظهار العبد نحو ظهار الحر وصيام العبد في الظهار شهران كالحر بالإتفاق *

باب اللعان

والأصل فيه أنه أيمان مؤكدة تبريء الزوج من حد القذف ، وتثبت اللوث عليها تحبس لأجله ويضيق عليها به ، فإن نكل ضرب الحد. وأيمان مؤكدة منها تبرئها فإن نكلت ضربت الحد . وبالجملة فلا أحسن فيما ليس فيه بينة وليس مما يهدر ولا يسمع من الإيمان المؤكدة
إذا رمى الرجل امرأته بالزنا حكم اللعان مذكور في الكتاب العزيز قال الله تعالى : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين واستفاض حديث عويمر العجلاني وهلال ابن أمية .
ولم تقر بذلك ولا رجع عن رميه لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يحث المتلاعنين على ذلك . ففي الصحيحين وغيرهما أنه وعظ الزوج وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم وعظ المرأة وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فإذا أقرت المرأة كان عليها حد الزاني المحصن إذا لم يكن هناك شبهة ، وإذا أقر الرجل بالكذب كان عليه حد القذف .
لا عنها فيشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقد نطق بذلك الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة في ملاعنته صلى الله تعالى عليه وسلم بين عويمر العجلاني وامرأته ، وبين هلال بن أمية وامرأته .
ويفرق الحاكم بينهما وتحرم عليه أبداً لحديث سهل بن سعد عند أبي داود قال : مضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً وأخرج نحوه عنه أبو داود وفي الصحيحين وغيرهما أن عويمراً طلق امرأته ثلاث تطليقات قبل أن يأمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين .
ويلحق الولد بأمه فقط ومن رماها به فهو قاذف لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين أخرجه أحمد وفي إسناده محمد بن اسحق وبقية رجاله ثقات . ويؤيد هذا الحديث الأدلة الدالة على أن الولد للفراش ولا فراش هنا . والأدلة الدالة على وجوب حد القذف . والملاعنة داخلة في المحصنات لم يثبت عليها ما يخالف ذلك وهكذا من قذف ولدها فإنه كقذف أمه يجب الحد على القاذف *

باب العدة

وكانت من المشهورات المسلمة في الجاهلية ، وكانت مما يكادون يتركونه ، وكان فيها مصالح كثيرة فأقرها الشارع .
هي للطلاق من الحامل بالوضع لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن
ومن الحائض بثلاث حيض لقول تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء والقروء هي الحيض كما تقدم في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : دع الصلاة أيام أقرائك والقرء وإن كان في الأصل مشتركاً بين الأطهار والحيض لكنه هنا قد دل الدليل على أن المراد أحد معنيي المشترك وهو الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم : تعتد بثلاث حيض وقوله : تجلس أيام اقرائها وقوله : وعدتها حيضتان وسيأتي .
ومن غيرهما أي غير الحامل والحائض وهي الصغيرة والكبيرة التي لا حيض فيها أو التي انقطع حيضها بعد وجوده فإنها تعتد بثلاثة أشهر لقوله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن الآية . وقد وقع الخلاف في منقطعة الحيض لعارض فقيل أنها تتربص حتى يعود فتعتد بالحيض ، أو تيأس فتعتد بالأشهر ، والحق ما ذكرناه لأنه يصدق عليها عند الإنقطاع أنها من اللائي لم يحضن .
وللوفاة بأربعة أشهر وعشر لقوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا هذا في غير الحامل .
وإن كانت حاملاً فبالوضع لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أكمل بيان . ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أم سلمة أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين فمكتث قريباً من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي وأخرج البخاري عن ابن مسعود في المتوفي عنها زوجها وهي حامل قال : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقد أخرج أحمد والدارقطني عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن للمطلقة ثلاثاً وللمتوفي عنها قال : هي للمطلقة ثلاثاً وللمتوفي عنها وأخرجه أبو يعلى ، والضياء في المختارة ، وابن مردويه ، وفي إسناده المثنى بن الصباح ، وثقه ابن معين وضعفه الجمهور ، وقد أخرج ابن ماجه عن الزبير بن العوام أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة فقالت له وهي حامل طيب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت فقال ما لها قد خدعتني خدعها الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبق الكتاب أجله أخطبها إلى نفسها ورجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به . وقد تمسك بعض الصحابة بالآيتين فجعل عليها أطول الأجلين فقال : إذا وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر لم تنقص عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشر ، وإذا انقضت الأربعة الأشهر وعشر ولم تضع لم تنقض العدة حتى تضع ، وبه قال جماعة من أهل العلم . والحق أن عدة الحامل بالوضع في الطلاق والوفاة للأدلة التي ذكرناها ، وهي نصوص في محل النزاع ومبينة للمراد . قال ابن القيم : وقد كان بين السلف نزاع في المتوفي عنها أنها تتربص أبعد الأجلين ثم حصل الإتفاق على إنقضائها بوضع الحمل . وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة واتفاق الناس انتهى .
ولا عدة على غير مدخولة لقوله تعالى في غير الممسوسات فما لكم عليهن من عدة تعتدونها .
والأمة أي عدتها كالحرة لأن حديث عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان أخرجه الترمذي ، وأبو داود ، والبيهقي ، قال فيه أبو داود هو حديث مجهول ، وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث انتهى . وأخرج ابن ماجه ، والدارقطني ، ومالك في الموطأ ، والشافعي من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان وفي إسناده عمرو ابن شبيب ، وعطية العوفي وهما ضعيفان ، وصحح الدارقطني أنه موقوف على ابن عمر ، وأخرج الدارقطني من حديث ابن مسعود ، وابن عباس الطلاق بالرجال والعدة بالنساء ، وقد أعل بالوقف . وأخرج أحمد عن علي نحو ذلك وإذا كان الصحيح الوقف فيما عدا حديث عائشة فلم يكن في الباب ما تقوم به الحجة لأن حديث عائشة ضعيف كما عرفت فوجب الرجوع إلى أدلة الكتاب والسنة المشتملة على تفصيل العدد وهي غير مختصة بالحرائر .
وعلى المعتدة للوفاة ترك التزين لحديث أم سلمة في الصحيحين أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : لا يحل لامرأة مسملة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلى على زوجها أربعة أشهر وعشراً وفي الباب عن أم حبيبة وزينب بنت جحش في الصحيحين وغيرهما وفيهما أيضاً من حديث أم سلمة أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال : لاتكتحل كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر وفي الصحيحين من حديث أم عطية قالت : كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ، ولا نكتحل ، ولا نطيب ، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار وفي الباب أحاديث . وقد روي ما يعارض هذه الأحاديث فأخرج أحمد ، وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب قال : لا تحدي بعد يومك هذا وهي كانت امرأته بالاتفاق وقد أجيب بأنه حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ، وقد وقع الإجماع على خلافه ، وقيل أنه منسوخ وقد أعله البيهقي بالانقطاع ، وهذه الأحاديث المؤقتة في الأحداد بأربعة أشهر وعشر هي في غير الحامل ، وأما هي فعليها ذلك حتى تنقضي عدتها بالوضع ثم الاحداد إنما يكون للموت لا لغيره لأنه التظهر بما يدل على الحزن والكآبة لمفارقة الزوج بالموت لا لمطلق المفارقة بالطلاق وغيره لأنه لم يرد فيه شئ ولا فعلته النساء في أيام النبوة والخلفاء الراشدين فمن ادعى وجوبه على غير المميتة فنحن نطالبه بالدليل .
والمكث في البيت الذي كانت فيه عند موت زوجها أبو بلوغ خبره لحديث فريعة بنت مالك عند أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم قالت : خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طريق القدوم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت : أن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة عن أهلي من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته ، وليس المسكن له فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أرفق بي في بعض شأني قال : تحولي . فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال أمكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت : فأعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً وفي بعض ألفاظه أنه أرسل إليها عثمان بعد ذلك فأخبرته فأخذ به . وقد أعل هذا الحديث بما لا يقدح في الإحتجاج به . وأخرج النسائي وأبو داود وعزاه المنذري إلى البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله تعالى لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً وقد ذهب إلى العمل بحديث فريعة جماعة من الصحابة فمن بعدهم وقد روي جواز الخروج للعذر عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم ، ولم يأت من أجاز ذلك بحجة تصلح لمعارضة حديث فريعة . وغاية ما هناك روايات عن بعض الصحابة وليست بحجة ، ولا سيما إذا عارضت الموفوع . وأخرج الشافعي ، وعبد الرزاق عن مجاهد مرسلاً أن رجالاً استشهدوا بأحد فقال نساؤهم : يارسول الله إنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند احداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وهذا مع إرساله لا تقوم به الحجة ، وأما أن لا تعتد بما مضى من الأيام قبل العلم وبعد الطلاق أو نحوه فلا وجه له ، لأن مشروعية العدة لم يشترطها الشارع بعلم المعتدة ، إنما ضرب للعدة مقادير كما في القرآن ، فإذا مضت تلك المقادير من يوم الطلاق أو الموت انقضت العدة ، ومن زعم أنه لا يحتسب بجميع العدة أو ببعضها قبل العلم فعليه الدليل لأنه يدعي أما فقد شرط أو وجود مانع وكلاهما خلاف الأصل . ثم الفرق بين بعض المعتدات دون بعض في اعتبار العلم وعدمه كما وقع في كتب الفروع لا مستند له إلا خيالات مختلة *


تحريم وطء السابا حتى يضعن ما في بوطنهن

يجب استبراء الأمة المسبية والمشتراة ونحوهما بحيضة إن كانت حائضاً والحامل بوضع الحمل لما أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ولما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هم أن يلعن الرجل الذي أراد وطء امرأة حامل من السبي لعنة تدخل معه قبره وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن وأخرج ابن أبي شيبة من حديث علي قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع ولا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة وفي إسناده ضعف وانقطاع . وأخرج أحمد والطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره وفي إسناده بقية والحجاج بن أرطاة وهما مدلسان وهو يشمل المسبية وغيرها كالمشتراة والموهوبة وكذلك حديث رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره أخرجه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن أبي شيبة ، والدارمي ، والطبراني ، والبيهقي ، والضياء المقدسي ، وابن حبان وصححه ، والبزار وحسنه . وهو كما يتناول الحامل المشتراة ونحوها كذلك يتناول من يجوز حملها من الغير كائناً من كان ، لأن العلة كونه يسقي بمائه ولد غيره . وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم . وقال : لا تسق ماءك زرع غيرك وأصله في النسائي . وأخرج البخاري عن ابن عمر إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء ، ويدل على استيراء المشتراة التي هي حامل ، أو مجوز حملها الأدلة الواردة في المسبية لأن العلة واحدة وأما العذراء والصغيرة فليستا ممن تصدق عليه تلك العلة وإن كان حمل العذراء البالغة ممكناً مع بقاء البكارة ولكنه في غاية الندرة فلا اعتبار به . وأما ما أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى علي منه سبية فأصبح وقد اغتسل ثم بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره بل قال في بعض الروايات لنصيب علي أفضل من وصيفة فيحمل على أنها كانت صغيرة أو بكراً جمعاً بين الأدلة أو أنه قد كان مضى لها من وقت الصبا ما تبين به أنها غير حامل .
ومنقطعة الحيض تستبرأ حتى يتبين عدم حملها لأنه لا يمكن العلم بعدم الحمل إلا بذلك إذا لا حيض بل المفروض أنه منقطع لعارض أو إنها ضهيأ . وأما من قد بلغت سن الأياس من الحيض فقد صار حملها مأيوساً كحيضها ولا إعتبار بالنادر .
ولا تستبرأ بكر ولا صغيرة ولا يلزم الاستبراء على البائع ونحوه لعدم الدليل على ذلك لا بنص ، ولا بقياس صحيح بل هو محض رأي *

باب النفقة

تجب على الزوج للزوجة لا أعرف في ذلك خلافاً . وقد أوجبها القرآن الكريم قال الله تعالى : وارزقوهم فيها واكسوهم وقد قرر دلالة هذه الآية على المطلوب الموزعي في تفسيره . والحديث إذنه صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف وهو في الصحيحين وغيرهما . ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حق الزوجة على الزوج أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت وهو عند أهل السنن وغيرهم . قال في المسوى : تجب نفقة الزوجة على الزوج موسراً كان أو معسراً . قال تعالى : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله وقال تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقال تعالى : ذلك أدنى أن لا تعولوا قلت : قال الشافعي : أي لا يكثر من تعولون . وفيه دليل على أن على الرجل نفقة امرأته ، وقد أنكر على الشافعي بعض أهل العربية هذا التفسير ، فأجاب البغوي بأن الكسائي قال : يقال عال الرجل يعول إذا كثر عياله واللغة الجيدة أعال . وأجاب الزمخشري بأنه بيان حاصل المعنى وجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم ، ومن كثر عياله لزمه أن يعولهم وهذا مما اتفق عليه أهل العلم . وقال ابن القيم : في حديث هند المتقدم تضمنت هذه الفتوى أموراً أحدها أن نفقة الزوجة غير مقدرة بل المعروف لنفي تقديرها وإن لم يكن تقديرها معروفاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم . الثاني أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الوالد كلاهما بالمعروف . الثالث انفراد الأب بنفقة أولاده . الرابع أن الزوج والأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف . الخامس أن المرأة إذا قدرت على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل . السادس أن ما لم يقدره الله تعالى ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف . السابع أن من منع الواجب عليه وكان سبب ثبوته ظاهراً فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه كما أفتى به النبي صلى الله عليه وسلم هذا انتهى حاصله .
أقول : هذا يختلف بإختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص ، فنفقة زمن الخصب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب ، ونفقة أهل البوادي المعروف فيها ما هو الغالب عندهم ، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن ، وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء على إختلاف طبقاتهم غير المعروف من نفقة الفقراء ، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف غير المعروف من نفقة أهل الوضاعات . فليس المعروف المشار إليه في الحديث هو شئ متحد بل مختلف باختلاف الإعتبار وقد أوضحت المقام في كتابي دليل الطالب فليراجع .
وقال الماتن رحمه الله في الفتح الرباني في جواب سؤال في الفرض للزوجة ونحوها ما لفظه قد اختلفت المذاهب في تقديره النفقة بمقدار معين وعدم التقدير فذهب جماعة من أهل العلم وهم الجمهور إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية ، وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء فقال : الشافعي على المسكين والمتكسب مد وعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف . وقال أبو حنيفة : على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة .قال بعض أصحابه هذا التقدير في وقت رخص الطعام وأما في غيره فيعتبر بالكفاية انتهى .
والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير لإختلاف الأزمنة والأمكنة ، والأحوال والأشخاص . فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون ادعى للطعام من بعض ، وكذلك الأمكنة فإن بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين وفي بعضها ثلاثاً وفي بعضها أربعاً ، وكذلك الأحوال فإنه حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من المقدار الذي تستدعيه حالة الخصب ، وكذلك الأشخاص فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه ، وبعضهم قد يأكل نصف صاع ، ويعضهم دون ذلك ، وهذا الإختلاف معلوم بالإستقراء التام ، ومع العلم بالإختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلماً وحيفاً . ثم أنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط بل كان صلى الله تعالى عليه وسلم يحيل على الكفاية مقيداً لذلك بالمعروف كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم أن هنداً قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية مع التقييد بالمعروف ، والمراد به الشئ الذي يعرف ، وهو خلاف الشئ الذي ينكر ، وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئاً معيناً ، ولا المتعارف بين أهل جهة معينة بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها المتعارف بينهم . مثلاً أهل صنعاء المتعارف بينهم الآن أنهم ينفقون على أنفسهم وأقاربهم الحنطة والشعير والذرة ويعتادون الإدام سمناً ولحماً ، فلا يحل أن يجعل طعام من تجب نفقته من طعام غير الثلاثة الأجناس المتقدمة كالعدس والفول ولا من الشعير والذرة فقط ، ولا بدون أدام ولا بادام غير المعتاد كالزيت والتلبينة ونحو ذلك ، فإن ذلك جميعه وأن كان يصدق عليه لفظ الكفاية لكنه لا يصدق عليه معنى المعروف ، والعمل بالمطلق وإهمال قيده لا يحل ، وأما أهل البوادي المتصلة بصنعاء والقريبة منها بمقدار بريد ودونه وفوقه ، فالمعروف عندهم هو الكفاية من أي طعام كان من غير سمن ولا لحم إلا في أندر الأحوال بل يكتفون تارة بالتلبينة ، وتارة بما يقوم مقامها فالمتوجه شرعاً على من وجبت عليه النفقة أن يدفع إلى من كان في مثل صنعاء ما هو المعروف لديهم مما قدمنا ، وإلى من كان في البوادي ما قدمنا مما هو المعروف لديهم ، ويعتبر في كل محل بعرف أهله ، ولا يحل العدول عنه إلا مع التراضي ، وكذلك الحاكم يجب عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص مع ملاحظة حال الزوج في اليسار والإعسار لأن الله تعالى يقول : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وإذا تقرر لك أن الحق عدم جواز تقدير الطعام بمقدار معين ، فكذلك لا يجوز تقدير الإدام بمقدار معين ، بل المعتبر الكفاية بالمعروف . وقد حكى صاحب البحر أنه قد قدر في اليوم أوقيتان دهناً من الموسر ، ومن المعسر أوقية ، ومن المتوسط أوقية ونصف . وفي شرح الإرشاد أنه يعتبر في الإدام تقدير القاضي بإجتهاده عند التنازع فيقدر في المد من الادام ما يكفيه ، ويقدر على الموسر ضعف ذلك ، وعلى المتوسط بينهما . ويعتبر في اللحم عادة البلد للموسرين والمتوسطين كغيرهم . قال الرافعي : وقد تغلب الفاكهة في أوقاتها فتجب . ثم قال : وإنما يجب ما ذكر لزوجته إن لم تواكله حال كونها رشيدة ، فإن واكلته وهي رشيدة سقطت نفقتها ثم ذكر كلاماً طويلاً . وأقول : المرجع ما هو معروف عند أهل البلد في الادام جنساً ونوعاً وقدراً وكذلك في الفاكهة لا يحل الإخلال بشئ مما يتعارفون به أن قدر من تجب عليه النفقة على ذلك ، وكذلك ما يعتاد من التوسعة في الأعياد ونحوها ويدخل في ذلك مثل القهوة والسليط .
وبالجملة فقد أرشد الشارع إلى ماهو معروف من الكفاية وليس بعد هذا الكلام الجامع المفيد شئ من البيان ، وأما ما أجاب به عن الحديث بعض من لم يتمرن بعلم الأدلة ولم يتدرب بمسالك الإجتهاد من أنه لم يكن منه صلى الله عليه وسلم على طريقة الحكم بل على طريقة الافتاء فهذه غفلة كبيرة وبعد عن الحقيقة ، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يفتي إلا بما هو حق وشرع . وقد تقرر أن السنة أقواله وأفعاله وتقريراته لا مجرد أحكامه فقط التي تكون بعد الخصومة وحضور المتخاصمين ، ولو كانت السنة ليست إلا الأحكام الكائنة على تلك الصفة لم يبق منها حجة على العباد إلا أقل من عشر معشارها لأن صدور الحكم منه صلى الله عليه وسلم على تلك الصفة إنما وقع في قضايا محصورة كقضية الحضرمي والزبير وعبد بن زمعة والمتلاعنين فإن قلت : ما وجه ما يفعله كثير من القضاة في هذه الأزمنة من تقدير النفقة بقدح من الطعام متنوعاً . قلت : هو من تقدير الكفاية بالمعروف لأن القدح يكفي غالب الأشخاص شهراً لا سيما في مثل صنعاء فيكون للشخص في كل يوم نصف صاع يأتي المجموع في ثلاثين يوماً خمسة عشر صاعاً ، وهي قدح ينقص صاعاً فهذا فيه ملاحظة للمعروف باعتبار الغالب ، ولكن إذا انكشف أنه لا يكفي بأن يكون الشخص أكولاً فلا يحل العمل بذلك الغالب ، لأنه فيه إهمالاً لما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم وهذا ليس فيه كفاية .
فالحاصل أنه لا بد من ملاحظة أمرين أحدهما الكفاية والثاني كونها بالمعروف فإذا علم مقدار الكفاية كان المرجع في صفاتها إلى المعروف وهو الغالب في البلد ، وإذا لم يعلم حال الشخص في مقدار ما يكفيه ، أو وقع الإختلاف بينه وبين من يجب عليه انفاقه كان القول قول من يدعي ما هو المتعارف به . مثلاً : إذا قال من له النفقة لا يكفيه إلى قدحان ، وقال من عليه النفقة قدح كان القول قول من عليه النفقة بكونه مدعياً لما هو الغالب في العادة ، وإذا تبين حال من له النفقة وجب الرجوع إلى ذلك لما عرفناك من أنه لا يحل الوقوف على مقدار معين على طريق القطع والبت . ثم الظاهر من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف أن ذلك غير متخص بمجرد الطعام والشراب ، بل يعم جميع ما يحتاج إليه فيدخل تحته الفضلات التي قد صارت بالإستمرار عليها مألوفة بحيث يحصل التضرر بمفارقتها ، أو التضجر ، أو التكدر ، ويختلف ذلك بالأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال ، ويدخل فيه الأدوية ونحوها وإليه يشير قوله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقات أن الواجب على من عليه النفقة رزق من عليه انفاقه والرزق يشمل ما ذكرناه . قال في الإنتصار ومذهب الشافعي : لا تجب أجرة الحمام وثمن الأودية وأجرة الطبيب لأن ذلك يراد لحفظ البدن ، كما لا يجب على المستأجرة أجرة اصلاح ما انهدم من الدار . وقال في الغيث : الحجة أن الدواء لحفظ الروح فأشبه النفقة انتهى . قلت : هو الحق لدخوله تحت عموم قوله ما يكفيك وتحت قوله رزقهن فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ ما ، والثانية عامة لأنها مصدر مضاف وهي من صيغ العموم ، وإختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق ، وبمجموع ما ذكرناه يتقرر لك أن الواجب على من عليه النفقة لمن له النفقة هو ما يكفيه بالمعروف ، وليس المراد تفويض أمر ذلك إلى من له النفقة ، وأنه يأخذ ذلك بنفسه حتى يرد ما أورده السائل من خشية السرف في بعض الأحوال بل المراد تسليم ما يكفي على وجه لا سرف فيه بعد تبين مقدار ما يكفي باخبار المخبرين أو تجريب كما سبق ، وهو معنى قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالمعروف أي لا بغير المعروف وهو السرف والتقتير . نعم إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lyceeammari.yoo7.com
admin
Admin
admin


عدد المساهمات : 636
نقاط : 14558
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 27/02/2012
العمر : 46

 كتاب النكاح  Empty
مُساهمةموضوع: تابع    كتاب النكاح  I_icon_minitimeالسبت 24 أغسطس 2013 - 4:13

. نعم إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز لنا الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه إذا كان من أهل الرشد لا إذا كان من أهل السرف والتبذير فإنه لا يجوز لنا تمكينه من مال من عليه النفقة لأن الله تعالى يقول : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم بل ورد ما يدل على عدم جواز دفع أموال من لا رشد لهم إليهم كما في قوله تعالى : فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم فجعل الرشد شرطاً لدفع أموالهم فكيف يجوز دفع أموال غيرهم إليهم مع عدم الرشد ولكن يجب علينا إذا كان من عليه النفقة متمرداً ومن له النفقة ليس بذي رشد أن نجعل الأخذ إلى ولي من لا رشد له أو إلى رجل عدل وأما ما ورد في بعض التفاسير من أن المراد بالسفهاء في قوله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم تمكين المرأة من مال الرجل كما ذكره السائل فذلك إنما هو باعتبار أن غالب نوع النساء خال عن الرشد و إلا فلا شك أن عدم الرشد يوجد في غيرهن كالصبيان والمجانين ومن يلتحق بهم من البله والمعتوهين وكثير ممن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين . ولا نشك أيضاً أن في النساء من لها من الرشد والكمال ما لا يوجد إلا في إفراد الرجال ، ومنهن هند بنت عتبة المذكورة في الحديث فإنها كانت من سروات نساء قريش المشهورات بحسن العقل وكمال الفطنة كما يعرف ذلك من عرف أخبارها ومحاورتها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عند مبايعته لها . فالحاصل أنه لا ملازمة بين القول بوجوب الكفاية في النفقة ، وبين حضور السرف بل الأمر كما قدمنا والله أعلم .
والمطلقة رجعياً لحديث فاطمة بنت قيس أنه قال لها صلى الله عليه وسلم إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة أخرجه أحمد والنسائي ، وفي لفظ لأحمد فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد توبع وأعل بالوقف ولكن الرفع زيادة مقبولة إذا صح مخرجها أو حسن ، وقد أثبت لها القرآن الكريم السكنى قال الله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ويستفاد من النهي عن الإخراج وجوب النفقة مع السكنى ، ويؤيده قوله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ويدل على وجوب النفقة قوله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف وقوله تعالى في آخر الآية الأولى : لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً وهو الرجعة فكان ذلك في الرجعية . لابائنا فالبائنة لا نفقة لها ولا سكنى لحديث فاطمة بنت قيس عند مسلم وغيره ، عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في المطلقة ثلاثاً لا نفقة ولا سكنى وفي الصحيحين وغيرهما عنها أنها قالت طلقني زوجي ثلاثاً فلم يجعل لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا نفقة ولا سكنى وقد صح حديثها فلا نزاع . وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً وقد أنكر عليها عمر وعائشة هذا الحديث ، وقال عمر : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت وقد قالت فاطمة : حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى : فطلقوهن لعدتهن حتى قال : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فأي أمر يحدث بعد الثلاث ، وقد ذهب إلى عدم وجوب النفقة والسكنى للبائنة أحمد واسحق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والأمامية . وذهب الجمهور إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى لقوله تعالى : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وقد تقدم ما يدل أنها في الرجعية . وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة إلى وجوب النفقة والسكني .
ولا في عدة الوفاة فلا نفقة ولا سكنى إلا أن تكونا حاملتين لعدم وجود دليل يدل على ذلك في غير الحامل ، ولا سيما بعد قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى ويؤيده أيضاً تعليل الآية المتقدمة بقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً وهو الرجعة ، ولم يبق في عدة الوفاة ذلك الأمر ، ويفيده أيضاً مفهوم الشرط في قوله تعالى : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وهي أيضاً تدل على وجوب النفقة للحامل سواء كانت في عدة الرجعي ، أو البائن ، أو الوفاة ، وكذلك يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس : لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً وقد روى البيهقي عن جابر يرفعه في الحامل المتوفي عنها قال لا نفقة لها قال ابن حجر ورجاله ثقات لكنه قال المحفوظ وقفه . فلو صح رفعه لكان نصاً في محل النزاع . وينبغي أن يقيد عدم وجوب السكنى لمن في عدة الوفاة بما تقدم في وجوب اعتدادها في البيت الذي بلغها موت زوجها وهي فيه ، فإن ذلك يفيد أنها إذا كانت في بيت الزوج بقيت فيه حتى تنقضي العدة ويكون ذلك جمعاً بين الأدلة من باب تقييد المطلق أو تخصيص العام فلا إشكال . قال في المسوى : اختلف أهل العلم في السكنى للمعتدة عن الوفاة . فقال أبو حنيفة لا سكنى لها بل تعتد حيث شاءت . وقال مالك لها السكنى . وللشافعي قولان كالمذهبين ، ومنشأ ذلك تردده في تأويل حديث فريعة ، فرأي مرة أن اذنه لها في الخروج حكم . وقوله امكثي في بيتك أقول : يحتمل أن يكون إذنه لها من حيث أنها ذكرت أن زوجها لم يتركها في مسكن يملكه انتهى .
أقول : الحق أن المتوفي عنها زوجها لا تستحق في عدة الوفاة لا نفقة ولا سكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً لزوال سبب النفقة بالموت . واختصاص آية السكنى بالمطلقة رجعياً ، واختصاص آية إنفاق الحامل بالمطلقة كما تقدم . فإذا مات وهي في بيته اعتدت فيه لا لأن لها السكنى بل لوجوب الإعتداد عليها في البيت الذي مات وهي فيه . مع أن في حديث الفريعة أنها قالت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن زوجها لم يتركها في منزل يملكه فأمرها أن تعتمد في ذلك المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه وهو غير مملوك له . وبهذا يتضح أن ذلك لا يستلزم وجوب السكنى من تركة الميت بل هو أمر تعبد الله به المرأة فإن كان المنزل ملكها فذاك وإن كان ملك غيرها وجب عليها تسليم الأجرة مع الطلب سواء كان ملكاً لورثة الزوج أو لغيرهم وعلى هذا يحمل قوله تعالى : غير إخراج وقوله ولا يخرجن وقوله لا تخرجوهن فتقرر بمجموع ما ذكر أن المتوفى عنها مطلقاً كالمطلقة بائناً إذا لم تكن المطلقة بائناً حاملاً في عدم وجوب النفقة والسكنى فإن كانت المطلقة بائناً حاملاً فلها النفقة ولا سكنى لها . وأما المطلقة الرجعية فلها النفقة والسكنى سواء كانت حاملاً أو حائلاً . وأما المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها فالنفقة ساطقة بلا ريب وكذلك السكنى والمتعة المذكورة لها في القرآن هي عوض عن المهر . والملاعنة لا نفقة لها ولا سكنى لأنها إن كانت المطلقة بائناً كانت مثلها في ذلك ، وإن كانت المتوفى عنها زوجها فكذلك ولا ريب أن فرقتها أشد من فرقة المطلقة بائناً لأن هذه يجوز نكاحها في حال من الأحوال بخلاف تلك .
وتجب على الوالد الموسر لولده المعسر والعكس لحديث هند بنت عتبة المتقدم . ويؤيده ما تقدم في الفطرة من وجوبها على الرجل ومن يمون . وأما العكس فلأن النفقة هي أقل ما يفيده قوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفاً وقوله : وبالوالدين إحساناً وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنت ومالك لأبيك أخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن خزيمة ، وابن الجارود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وحديث أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه فكلوا من أموالهم أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم . ويؤيد ذلك حديث من أبر يارسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة . قال في المسوى : تجب على الإبن نفقة الأبوين إذا كان موسراً وهما معسران قال تعالى : وبالوالدين إحساناً وقال : وصاحبهما في الدنيا معروفاً ومن المعلوم أنه ليس من الإحسان ولا من المصاحبة بالمعروف أن يموتا جوعاً والولد في أرغد عيش . قلت : على هذا أهل العلم إلى أن الشافعي قال : إن كان واحد منهما قوياً سوياً يمكنه تحصيل قوته لا تجب نفقته وإن كان معسراً وأوجب سائر الفقهاء نفقتهم عند الإعسار ولم يشترطوا الزمانة . وفي إعلام الموقعين وسأله صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال ثم أبوك متفق عليه . قال الإمام أحمد الطاعة للأب وللأم ثلاثة أرباع البر .
وعلى السيد لمن يملكه لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وحديث فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر . قلت : وذلك أنه مشغول بخدمته عن الإكتساب فوجب أن يكون كفاية عليه ، وعليه أهل العلم .
ولا تجب على القريب لقريبه إلا من باب صلة الرحم لعدم ورود دليل بخص ذلك بل جاءت أحاديث صلة الرحم وهي عامة . والرحم المحتاج إلى نفقة أحق الأرحام بالصلة . وقد قال تعالى : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وعند أبي داود أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر ؟ قال : أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذلك حق واجب ورحم موصولة . أقول : ومن جملة ما يدل على نفقة الأقارب قوله تعالى : وبالوالدين إحساناً وبذي القربى وقوله تعالى : وآت ذا القربى حقه فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى القرابة وإيتائه حقه . ولا ريب أن من كان يتقلب في النعم وقريبه قد أضر به الجوع أو العرى فهو غير محسن إليه ولا قائم بحقه . ومن جملة الأدلة القرآنية قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك فإن جمهور السلف فسروها بأن على الرجل الذي يرث أن ينفق على الموروث مثل ما ينفق المولود له على والدة الولد كما في أول الآية . ومن الأدلة على ذلك ما تقدم في رواية أبي داود وهو في الصحيحين أيضاً وأخرجه النسائي بنحوه وزاد ثم أدناك أدناك وفيه وابدأ بمن تعول وفي الصحيحين أيضاً بلفظ من أحق الناس بحسن صحابتي يارسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ثم أدناك أدناك وأخرجه الترمذي وقال ثم الأقرب فالأقرب وفي المسألة مذاهب مختلفة قد بسطها صاحب الهدي وغيره . وأما ماقيل من أن المراد بمثل هذه الأدلة صلة الرحم فقد أجيب عن ذلك بأن الله سبحانه سماه حقاً على أنه لو سلم لم يكن قادحاً في الإستدلال ، فإن من ترك قريبه بغير نفقة ولا كسوة مع حاجته إليهما لم يكن واصلاً لرحمه لا لغة ، ولا عرفاً ، ولا شرعاً . ومن أنكر هذا فليخبرنا ما هي الصلة التي تختص بها الرحم لأجل كونه رحماً ويمتاز بها عن الأجنبي فإنه لا يمكنه أن يعين مسقطاً للنفقة إلا وكان أولى بإسقاط ما عداها .
فالحاصل أن من وجب ما يكفيه وكان له زيادة يستغني عنها وجب عليه أن ينفقها على المحاويج من قرابته ويقدم الأقرب فالأقرب كما دلت عليه الأدلة السالفة وهذا هو معنى الغني أي الإستغناء عن فضلة تفضل على الكفاية لا ما ذكره الفقهاء من تلك التقديرات التي لا ترجع إلى دليل عقل ولا نقل .
ومن وجبت نفقته وجبت كسوته وسكناه لما يستفاد من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها *

باب الرضاع

إنما يثبت حكمه بخمس رضعات لحديث عائشة عند مسلم وغيره أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس رضعات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن وللحديث طرق ثابتة في الصحيح، ولا يخالفه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحرم المصة ولا المصتان أخرجه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، وكذلك حديث أم الفضل عند مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان والمصة والمصتان وفي لفظ لا تحرم إلا ملاجة ولا الاملاجتان وأخرج نحوه أحمد ، والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن الزبير . لأن غاية ما في هذه الأحاديث أن المصة والمصتين ، والرضعة والرضعتين ، والإملاجة ، والإملاجتين ، لا يحرمن . وهذا هو معنى الأحاديث منطوقاً وهو لا يخالف حديث الخمس الرضعات لانها تدل على أن ما دون الخمس لا يحرم . وأما معنى هذه الأحاديث مفهوماً ، وهو أنه يحرم ما زاد على الرضعة والرضعتين ، فمدفوع بحديث الخمس ، وهي مشتملة على زيادة فوجب قبولها والعمل بها ، ولا سيما عند القول من يقول : إن بناء الفعل على المنكر يفيد التخصيص . والرضعة هي أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه بإختياره لغير عارض . وقد ذهب إلى اعتبار الخمس ابن مسعود ، وعائشة ، وعبد الله بن الزبير ، وعطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد ، واسحق ، وابن حزم ، وجماعة من أهل العلم . وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب . وذهب الجمهور إلى أن الرضاع الواصل إلى الجوف يتقضي التحريم وإن قل . قال في المسوى : ذهب الشافعي إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع بأقل من خمس رضعات متفرقات . وذهب أكثر الفقهاء منهم مالك ، وأبو حنيفة إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرم . وقال بعضهم : لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان ويحكي عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات وهو قول شاذ . والظاهر أن عائشة وحفصة إنما كانتا تذهبان إلى عشر رضعات تورعاً وتشفياً للخاطر لا من جهة حكم الشرع كما ذكرنا في لبن . الفحل . قال البغوي : قوله عائشة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرأ على الرسم الأول لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة ، كالرجم في الزنا حكمه باق مع ارتفاع التلاوة في القرآن ، أو أن الحكم يثبت بأخبار الآحاد ويجب العمل به ، والقرآن لا يثبت بأخبار الآحاد فلم يجز كتبه بين الدفتين انتهى . وتمامه في كتابنا أفاد الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ فليرجع إليه .
أقول : أعلم أن الأحاديث قد اختلفت في هذه المسألة اختلافاً كثيراً ، وكذلك اختلفت المذاهب ، ونحن نعرفك بما هو الحق الذي يجتمع فيه جميع الأدلة فنقول : أما ما ورد من الرضاع مطلقاً من دون تقييد بعدد ، فالأحاديث الواردة بذكر العدد تفيد تقييده كما هو شأن المطلق والمقيد : وقد أفاد حديث لا تحرم المصة والمصتان والأملاجة والأملاجتان وحديث لا تحرم الرضعة الواحدة إن الرضعة والرضعتين لا تحرمان فلو لم يرد إلا هذا لكانت الثلاث مقتضية للتحريم ولكنه ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت : عشر رضعات معلومات يحرمن ثم قالت : خمس رضعات معلومات يحرمن وصرحت بأن العشر منسوخة بالخمس . وصرحت أيضاً بأنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن وليس من شرط القرآن تواتر النقل على ما هو الحق ولو سلم ذلك ، فالقراءة الآحادية منزلة منزلة أخبار الآحاد ولكن ههنا إشكال وهو أن حديث لا تحرم المصة والمصتان دل بمفهوم العدد على أن الثلاث والأربع يثبت بهما التحريم ، وحديث الخمس دل بمفهومه على أنهما لا يحرمان . وأقول : قد تقرر في علم المعاني والبيان ، أن الإخبار بالفعل المضارع يفيد الحصر ، وصرح بذلك الزمخشري في الكشاف ، ولا سيما إذا بني الفعل على المنكر كما هو مقرر في مواطنه فيكون قد انضم إلى مفهوم العدد في الخمس مفهوم الحصر فلا يثبت التحريم بدونها . ويؤيد ذلك ما ورد في بعض ألفاظ حديث سهلة بنت سهيل أنه صلى الله عليه وسلم قال : أرضعي سالماً خمس رضعات تحرمي عليه وهذا التركيب في قوة إن ترضعيه خمساً تحرمي عليه . فانضم إلى مفهومي العدد والحصر مفهوم الشرط ، وكما تصلح هذه الأدلة لتقييد مطلق القرآن تصلح أيضاً لتقييد حديث الرضاع ما أنبث اللحم وأنشر العظم وحديث الرضاعة من المجاعة على فرضه أن الرضعة ، والرضعتين تنبت اللحم ، فيكون المراد أن المقتضي للتحريم من الرضاع الذي ينبت اللحم ، والذي في زمن المجاعة هو ما كان على صفة مخصوصة ، وهي خمس رضعات ، هذا تقرير الإستدلال على وجه تجتمع فيه الأدلة . وأما الجواب عن الوجوه التي ذكروها في دفع ما ذكرناه من الأدلة فقد بسطه الماتن رحمه الله في وبل الغمام حاشية شفاء الأوام فمن شاء الإطلاع على ذلك فليراجعه .
مع تيقن وجود اللبن لأنه سبب ثبوت حكم الرضاع ، فلو لم يكن وجوده معلوماً وارتضاع الصبي منه معلوماً ، لم يكن لإ ثبات حكم الرضاع وجه مسوغ . قال في الحجة البالغة : يعتبر في الإرضاع شيئان : أحدهما القدر الذي يتحقق به هذا المعنى . فكان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات . والثاني أن يكون الرضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد ، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد التشبح وقيام الهيكل كالشاب يأكل الخبز انتهى .
وكون الرضيع قبل الفطام لحديث أم سلمة عند الترمذي وصححه ، والحاكم وصححه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام وأخرج سعيد بن منصور ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن عدي من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : لارضاع إلا ما كان في الحولين وقد صحح البيهقي وقفه ، ورجحه ابن عدي ، وابن كثير . وأخرج أبو داود الطيالسي من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد إحتلام وقد قال المنذري أنه لا يثبت . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت : لما دخل علي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعندي رجل فقال : من هذا قلت : أخي من الرضاعة قال : يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة .
ويحرم به ما يحرم بالنسب قد تقدم الإستدلال عليه فيمن يحرم نكاحه من كتاب النكاح من أم ، وأخت ، وغيرهما .
ويقبل قول المرضعة لما أخرجه البخاري وغيره من حديث عقبة بن الحرث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت : قد أرضعتكما قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني : قال : فتنحيت فذكرت ذلك له فقال : وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما فنهاه وفي لفظ دعها عنك وهو في الصحيح . وفي لفظ آخر كيف وقد قيل ففارقها عقبة وقد ذهب إلى ذلك عثمان ، وابن عباس ، والزهري ، والحسن ، واسحق ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبيد . وروي عن مالك . وأما دفع الحجة بأنها شهدت على تقرير فعلها ، فهذه قاعدة فقهية لم يرد بها كتاب الله ولا سنة رسوله . وهذا الحديث أول حجة يبطلها . فكيف يكون الأمر بالعكس ، وحسبنا الله ونعم الوكيل *
ويجوز إرضاع الكبير ولو كان ذا لحية لتجويز النظر لحديث زينب بنت أم سلمة قال : قالت أم سلمة لعائشة : أنه يدخل عليك هذا الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت عائشة : مالك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وقالت : إن امرأة أبي حذيفة قالت : يارسول الله إن سالماً يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرضعيه حتى يدخل عليك أخرجه مسلم وغيره ، وقد أخرج نحوه البخاري من حديث عائشة أيضاً ، وقد روى هذا الحديث من الصحابة أمهات المؤمنين ، وسهلة بنت سهيل ، وزينب بنت أم سلمة ، ورواه من التابعين جماعة كثيرة . ثم رواه عنهم الجمع الجم ، وقد ذهب إلى ذلك علي ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن أبي رباح ، والليث بن سعد ، وابن علية ، وداود الظاهري ، وابن حزم وهو الحق . وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك . قال ابن القيم : أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة ، ولم يأخذ به أكثر أهل العلم ، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه : أحدها : كثرتها وإنفراد حديث سالم . والثاني : أن جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة في شق المنع . الثالث : أنه أحوط . الرابع : أن رضاع الكبير لا ينبت لحماً ولا ينشر عظماً فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم . الخامس : أنه يحتمل أن هذا كان مختصاً بسالم وحده ، ولهذا لم يجيء ذلك إلا في قصته . السادس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل قاعد فاشتد عليه وغضب فقال : إنه أخي من الرضاعة فقال : إنظرن من أخوانكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة متفق عليه واللفظ لمسلم . وفي قصة سالم مسلك وهو أن هذا كان موضع حاجة ، فإن سالماً كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه ، ولم يكن لنه منه ومن الدخول على أهله بد ، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الإجتهاد . ولعل هذا المسلك أقوى المسالك ، وإليه كان شيخنا يجنح والله تعالى أعلم انتهى .
أقول : الحاصل أن الحديث المتقدم صحيح ، وقد رواه الجم الغفير عن الجم الغفير سلفاً عن خلف ، ولم يقدح فيه من رجال هذا الشأن أحد ، وغاية ما قاله من يخالفه إنه ربما كان منسوخاً ، ويجاب بأنه لو كان منسوخاً لوقع الاحتجاج على عائشة بذلك ، ولم ينقل أنه قال قائل به مع اشتهار الخلاف بين الصحابة . وأما الأحاديث الواردة بأنه لا رضاع إلا في الحولين وقبل الفطام ، فمع كونها فيها مقال لا معارضة بينها وبين رضاع سالم لأنها عامة ، وهذا خاص ، والخاص مقدم على العام ، ولكنه يختص بمن عرض له من الحاجة إلى إرضاع الكبير ماعرض لأبي حذيفة وزوجته سهلة ، فإن سالماً لما كان لهما كالابن وكان في البيت الذي هما فيه وفي الإحتجاب مشقة عليهما رخص صلى الله عليه وسلم في الرضاع على تلك الصفة . فيكون رخصة لمن كان كذلك ، وهذا لا محيص عنه . قال في المسوى : يجب إحياء المولود بالإرضاع حولين كاملين إلا إذا إجتمع رأى الوالدين عن تشاور منهما على أن الفطام لا يضره فحينئذ يجوز الفطام قبل الحولين ، والمرضع يجوز أن تكون الوالدة أو الظئر المسترضعة فإن لم تتيسر المسترضعة أو لم يقدر الوالد على استئجارها تعينت الوالدة فإن أرضعت الوالدة فليس لها إلا النفقة والكسوة بالمعروف مما كان بسبب الزوجية ، وإن أرضعت الظئر فلها أجرها قال تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله قلت : الظاهر أن الوالدات تعم المطلقات وغيرها وقيل : تختص بالمطلقات لأن سياق الآية في قصة المطلقات .
أقول : وحينئذ يؤخذ حكم غير المطلقات بالأولى وقوله : على المولود له يدل على أن الوالدة ما دامت زوجة أو معتدة لا تستحق الأجر . وعليه أبو حنيفة وقوله : على الوارث مثل ذلك المراد منه وارث الأب وهو الصبي أي مؤن المرضعة من ماله إذا مات الأب . قوله : فإن أرادا فصالاً يعني قبل الحولين . قوله : أن تسترضعوا أي المراضع أولادكم ، أي تأخذوا مراضع لأولادكم . قوله : ما آتيتم أي ما أردتم ايتاءه كقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة إنتهى *

باب الحضانة

الأولى بالطفل أمه ما لم تنكح لحديث عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حواء ، وثديي له سقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال : أنت أحق به ما لم تنكحي أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، والحاكم وصححه . وقد وقع الإجماع على أن الأم أولى بالطفل من الأب . وحكى ابن المنذر الاجماع على أن حقها يبطل بالنكاح ، وقد روي عن عثمان أنه لا يبطل بالكناح ، وإليه ذهب الحسن البصري ، وابن حزم ، واحتجوا ببقاء ابن أم سلمة في كفالتها بعد أن تزوجت بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . ويجاب عن ذلك بأن مجرد البقاء مع المنازع لا يحتج به لاحتمال أنه لم يبق له قريب غيرها . واحتجوا أيضا بما سيأتي في حديث ابنة حمزة فإن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قضى بأن الحق لخالتها ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وقد قال : الخالة بمنزلة الأم . ويجاب عن هذا بأنه لا يدفع النص الوارد في الأم، ويمكن أن يقال أن هذا يكون دليلاً على ما ذهبت إليه الحنفية من أن النكاح إذا كان لمن هو رحم للصغير فلا يبطل به الحق ، ويكون حديث ابنة حمزة مقيداً لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما لم تنكحي ثم الخالة أولى بعد الأم ممن عداها . لحديث البراء بن عازب في الصحيحين وغيرهما أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر وزيد فقال علي : أنا أحق بها هي ابنة عمي ، وقال جعفر : بنت عمي وخالتها تحتى . وقال زيد : ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله وسلم عليه لخالتها وقال : الخالة بمنزلة الأم والمراد بقول زيد ابنة أخي أن حمزة قد كان النبي صلى الله وسلم عليه آخى بينهما . ووجه الإستدلال بهذا الحديث أنه قد ثبت بالإجماع أن الأم أقدم الحواضن فمقتضى التشبيه أن تكون الخالة أقدم من غيرها من غير فرق بين الأب وغيره . وقد قيل أن الأب أقدم منها إجماعاً ، وليس ذلك بصحيح والخلاف معروف والحديث يحج من خالفه . قال في المسوى : إذا فارق الرجل امرأته وبينهما ولد صغير فالأم وأم الأم أولى بالحضانة من الأب لرواية مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم أنه فارقها فجاء عمر بن الخطاب قباء فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق فقال عمر : ابني وقالت المرأة : ابني فقال : أبو بكر خل بينها وبينه قال : فما راجعه عمر الكلام .
ثم الأب وإن لم يرد بذلك بدليل يخصه لكنه قد استفيد من مثل قوله صلى الله وسلم عليه للأم أنت أحق به ما لم تنكحي فإن هذا يدل على ثبوت أصل الحق للأب بعد الأم ومن هو بمنزلتها وهي الخالة ، وكذلك إثبات التخيير بينه وبين الأم في الكفالة ، فإنه يفيد إثبات حق له في الجملة . وقال في المسوى : روى الشافعي بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله وسلم عليه خير غلاماً بين أبيه وأمه ثم طبق بين الحديث والأثر بأن المولود إذا كان دون سبع سنين فالأم أولى به وإذا بلغ سبع سنين وعقل عقل مثله خير بين الأبوين سواء كان ذكراً أوأنثى فأيهما اختاره يكون عنده . وأخذ هذا النوع من التطبيق من قضاء علي رضي الله تعالى عنه فإنه خير صبياً كان ابن سبع سنين ، أو ثمان سنين بين الأم والعم ، وقال لأخيه الصغير منه وهذا أيضاً لو قد بلغ هذا لخيرته . وقال أبو حنيفة : الأم أحق بالغلام حتى يأكل ويلبس وحده ، وبالجارية حتى تحيض ثم بعد ذلك الأب أحق بهما .
أقول : الحق أن الحضانة للأم ثم للخالة للدليل الذي قدمنا ولا حضانة للأب ولا لغيره من الرجال والنساء إلا بعد بلوغ الصبي سن التمييز ، فإن بلغ إليه ثبت تخييره بين الأم والأب ، وإذا عد ما كان أمره إلى أوليائه إن وجدوا ، وإلا كان إلى قرابته الذين ليسوا بأولياء ، ويقدم الأقرب فالأقرب ولكن ليس هذا الدليل اقتضى ذلك ، بل لأن حضانة الصبي وكفالة أمره لا بد منه ، والقرابة أولى به من الأجانب بلا ريب ، وبعض القرابة أولى من بعض فأحقهم به بعد عدم من وردت النصوص بثبوت حضانته هو الأولياء لكون ولاية النظر في مصالحه إليهم ومع عدمهم تكون حضانته إلى الاقرب فالأقرب هذا ما يقتضيه النظر الصحيح ومن رام الوقوف على جميع العلل التي علل بها المختلفون في التقديم والتأخير في باب الحضانة فعليه بالهدي لابن القيم ، ولكنه لم يترجح لدي إلا ما ذكرته ههنا وذكره الماتن . وقد يقال : إن حديث أنت أحق به ما لم تنكحي يفيد ثبوت أصل الحق في الحضانة للأب بعد الأم ومن هو بمنزلتها وهي الخالة فتكون أهل الحضانة الأم ثم الخالة ثم الأب .
ثم يعين الحاكم من القرابه من رأى فيه صلاحاً لأنه إذا عدمت الأم والخالة والأب فالصبي محتاج إلى من يحضنه بالضرورة . والقرابة أشفق به فيعين الحاكم من يقوم به منهم ممن يرى فيه صلاحاً للصبي . وقد أخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : إن امرأة عمر بن الخطاب خاصمته إلى أبي بكر في ولد عليها فقال أبو بكر : هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى ، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج . فهذه الأوصاف تفيد أن أبا بكر جعل العلة العطف واللطف والرحمة والحنو .
وبعد بلوغ سن الاستقلال يخير الصبي بين أبيه وأمه لحديث أبي هريرة عند أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي أن النبي صلى الله وسلم عليه خير غلاماً بين أبيه وأمه وفي لفظ أن امرأة جاءت فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي يريد أن يذهب بإبني وقد سقاني من بئر أبي عتبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله وسلم عليه : استهما عليه . قال زوجها : من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله وسلم عليه : هذا أبوك ، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به أخرجه أهل السنن ، وابن أبي شيبة ، وصححه الترمذي ، وابن حبان ، وابن القطان ، وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارقطني من حديث عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن جده أن جده أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن صغير له لم يبلغ قال : فأجلس النبي صلى الله وسلم عليه الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال : اللهم اهده فذهب إلى أبيه قال ابن القيم : الحضانة قضي فيها خمس قضايا : إحداها : قضى بابنة حمزة لخالتها وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وقال : الخالة بمنزلة الأم فتضمن هذا القضاء أن الخالة قائمة مقام الأم في الإستحقاق وإن تزوجها لا يسقط حضانتها إذا كانت جارية . القضية الثانية : أن رجلاً جاء بابن له صغير لم يبلغ فاختصم فيه هو وأمه ولم يسلم فأجلس رسول الله صلى الله وسلم عليه الأب ههنا وأجلس الأم ههنا ثم خير الصبي وقال : اللهم اهده فذهب إلى أمه ذكره أحمد . القضية الثالثة : أن رافع بن سنان أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله وسلم عليه وقالت فطيم أو شبيهه وقال رافع ابنتي فقال رسول الله صلى الله وسلم عليه : اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية فأقعد الصبية بينهما ثم قال : ادعواها فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله وسلم عليه : اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها ذكره أحمد . القضية الرابعة : جاءته امرأة فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني الخ ذكره أبو داود . القضية الخامسة : جاءته صلى الله وسلم عليه امرأة فقالت يا رسول الله : ان ابني هذا كان بطني له وعاء الخ ذكره أبو داود فعلي . هذه القضايا الخمس تدور الحضانة وبالله التوفيق .
فإن لم يوجد من له في ذلك حق بنص الشرع أكفله من كان له في كفالته مصلحة لكونه محتاجاً إلى ذلك فكانت المصلحة معتبرة في بدنه كما اعتبرت في ماله وقد دلت على ذلك الأدلة الواردة في أموال اليتامى من الكتاب والسنة *



انتهى ...................................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://lyceeammari.yoo7.com
 
كتاب النكاح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجنائز
» كتاب الصيام
» كتاب الطهارة
» كتاب رائع جدا لصيانة الكمبيوتر
» حلول تمارين كتاب الرياضيات السنة الأولى ثانوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ثانوية الاخوة معقب-عماري :: المنتـــــــــــــدى الاسلامـــــــــــــــي :: السيرة النبوية-
انتقل الى:  
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
المواضيع الأخيرة
» ولاية تيسمسيلت
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالإثنين 29 أكتوبر 2018 - 13:56 من طرف admin

» غليزان
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالأربعاء 11 أبريل 2018 - 12:46 من طرف admin

» تيارت
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالأربعاء 11 أبريل 2018 - 12:34 من طرف admin

» قبيلة الكرايش ( تيارت ، تيسيمسيلت )
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالأربعاء 11 أبريل 2018 - 12:19 من طرف admin

» دلـيـل التـلـمــيـذ
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالأحد 4 مارس 2018 - 17:27 من طرف admin

» الأشراف في الجزائر
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالخميس 21 سبتمبر 2017 - 22:32 من طرف admin

» سيدي رابح
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالثلاثاء 25 يوليو 2017 - 10:37 من طرف admin

» فيلم The Fate Of The Furious 2017 مترجم بجودة HDCAM
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالأحد 30 أبريل 2017 - 10:57 من طرف admin

» أهداف النظام الداخلي للمؤسسة التربوية
 كتاب النكاح  I_icon_minitimeالأربعاء 5 أبريل 2017 - 11:25 من طرف admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
سحابة الكلمات الدلالية
الثورة للسنة الثالثة السنوي الفلسفية المجاهد موضوع سيدي المقالات المسلمين محمد العلماء الاعياد الحاج التوزيع السكان جمعية رابح السنة زرواق التي الطاهر
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني