كتاب النكاح
قال الزمخشري في الكشاف : النكاح الوطء ، وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث أنه طريق له . ونظيره تسمية الخمر إثماً لأنها سبب في اقتراف الإثم انتهى ولا ينافي هذا كثرة ورود النكاح في القرآن بمعنى العقد . حتى قال في الكشاف إنه لم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد . لأن الكثرة ليست من خواص الحقيقة ولا مخرجة للمجاز عن كونه مجازاً كما تقرر في موضعه . على أن دعوى الكلية التي ذكرها صاحب الكشاف ممنوعة فإن قوله تعالى حتى تنكح زوجاً غيره لا يصح أن يراد به العقد كما دل عليه الدليل من السنة . وذهب إليه جماهير الأمة . وكذلك ما ورد في كتاب الله من ألفاظ النكاح للمملوكات لا يكون إلا للوطء إذ لا عقد هناك .
وبالجملة فمعنى النكاح حقيقة الوطء ومجازاً العقد كما صرح به الزمخشري . وهو أقعد بمعرفة اللغة من غيره لا سيما التمييز بين المعاني الحقيقية والمجازية فإنه المرجوع إليه في ذلك دون غيره ممن صارت مؤلفاتهم الآن متداولة بين أهل هذه العصور كما لا يخفى على فطن .
يشرع لمن استطاع الباءة لما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء والمراد بالباءة النكاح والأحاديث الواردة في الترغيب في النكاح كثيرة وقال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .
ويجب على من خشي الوقوع في المعصية لأن اجتناب الحرام واجب وإذا لم يتم الاجتناب إلا بالنكاح كان واجباً ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث المقتضية لوجوب النكاح ، كحديث أنس في الصحيحين وغيرهما : أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم لا أتزوج ، وقال بعضهم أصلي ولا أنام ، وقال بعضهم أصوم ولا أفطر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله وسلم عليه فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني وأخرج ابن ماجه والترمذي من حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى عن التبتل قال الترمذي أنه حسن غريب . قال : وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة ويقال كلا الحديثين صحيح انتهى . وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف . وأخرج النهي عن التبتل أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث أنس . وأخرج ابن ماجه من حديث عائشة أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس منى .
والتبتل غير جائز لما تقدم . وقد رد صلى الله وسلم عليه التبتل على عثمان بن مظعون . وكانت المانوية والمترهبة من النصارى يتقربون إلى الله بترك النكاح . وهذا باطل لأن طريقة الأنبياء عليهم السلام التي ارتضاها الله تعالى للناس هي اصلاح الطبيعة ودفع اعوجاجها لا سلخها عن مقتضياتها .
إلا لعجز عن القيام بما لا بد منه لما ثبت في الكتاب العزيز من النهي عن مضارة النساء والأمر بمعاشرتهن بالمعروف . فمن لا يستطيع ذلك لم يجز له أن يدخل في أمر يوقعه في حرام . وعلى ذلك تحمل الأدلة الواردة في العزبة والعزلة .
أقول : الحاصل أن من كان محتاجاً إلى النكاح أو كان فعله له أولى من تركه من دون احتياج فلا ريب أن أقل الأحوال أن يكون في حقه مندوباً للأدلة الواردة فيه . ومن لم يكن محتاجاً إليه ولا كان فعله أولى له كالحصور والعنين فقد يكون في حقه مكروهاً إذا كان يخشى الاشتغال عن الطاعات من طلب العلم أو غيره مما يحتاج إليه أهله . أو كانت المرأة تتضرر بترك الجماع من دون أن تقدم على المعصية . وأما إذا كان في غنية بحيث لا يشتغل عن الطاعات وكانت المرأة لا تتضرر بترك الجماع ولا يحصل له بالنكاح نفع فيما يرجع إلى الباءة فالظاهر أنه مباح وإن لم يأت من الأدلة ما يقتضي هذه التفاصيل فثم أدلة أخرى تقتضيها وقواعد كلية . ولو قيل أنه لا يكون في تلك الصورة مباحاً بل مكروها لما ورد في العزبة والعزله آخر الزمان لم يكن بعيداً من الصواب .
وينبغي أن تكون المرأة ودوداً لأن تواد الزوجين به تتم المصلحة المنزلية وكثرة النسل بها تتم المصلحة المدنية والملية وود المرأة لزوجها دال على صحة مزاجها وقوة طبيعتها مانع لها من أن يطمح بصرها إلى غيره باعث على تجملها بالإمتشاط وغير ذلك . وفيه تحصين فرجه ونظره .
ولوداً لحديث أنس عند أحمد ، وابن حبان وصححه أن النبي صلى الله وسلم عليه قال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة وأخرج نحوه أحمد من حديث ابن عمر . وفي إسناده جرير بن عبد الله العامري وقد وثق وفيه ضعف . وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث معقل بن يسار .
بكراً لما في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر أن النبي صلى الله وسلم عليه قال له تزوجت بكراً أم ثيباً ؟ قال : ثبياً قال: فهلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك .
ذات جمال فإن الطبيعة البشرية راغبة في الجمال . وكثير من الناس تغلب عليهم الطبيعة . والجمال وما يشبهه من الشباب مقصد من غلب عليه حجاب الطبيعة .
وحسب يعني مفاخر آباء المرأة فإن التزوج في الاشراف شرف وجاه .
ودين أي عفة عن المعاصي وبعدها عن الريب وتقربها إلى بارئها بالطاعات . والدين مقصد من تهذب بالفطرة فأحب أن تعاونه امرأته في دينه ، ورغب في صحبة أهل الخير .
ومال بأن يرغب في المال ويرجى مواساتها معه في مالها وأن يكون أولاده أغنياء لما يجدون من قبل أمهم . والمال والجاه مقصد من غلب عليه حجاب الرسم . ووجهه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله وسلم عليه : تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله وسلم عليه قال أن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك .
قال في الحجة قال صلى الله وسلم عليه . خير النساء اللاتي ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده .
أقول : يستحب أن تكون المرأة من كورة وقبيلة عادات نسائها صالحة . فإن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة . وعادات القوم ورسومهم غالبة على الإنسان وبمنزلة الأمر المجبول هو عليه . وبين أن نساء قريش خير النساء من جهه أنهن أحنى إنسان على ولد في صغره وأرعاه على الزوج في ماله ورقيقه ونحو ذلك . وهذان من أعظم مقاصد النكاح وبهما انتظام تدبير المنزل . وإن أنت فتشت حال الناس اليوم في بلادنا وبلاد ما وراء النهر وغيرها لم تجد أرسخ قدماً في الأخلاق الصالحة ولا أشد لزوماً لها من نساء قريش انتهى .
وتخطب الكبيرة إلى نفسها لما في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله وسلم عليه أرسل إلى أم سلمة يخطبها .
والمعتبر حصول الرضا منها لحديث ابن عباس عند مسلم وغيره : الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة نحوه . وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله وسلم عليه فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله وسلم عليه قال الحافظ : ورجال إسناده ثقات . وروي نحوه من حديث جابر أخرجه النسائي . ومن حديث عائشة أخرجه أيضاً النسائي . وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله وسلم عليه فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شئ ورجاله رجال الصحيح . وأخرجه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة .
قال في الحجة البالغة أقول : لا يجوز أيضاً أن يحكم الاولياء فقط لأنهم لا يعرفون ما تعرف المرأة من نفسها . ولأن حار العقد وقاره راجعان إليها . والاستئمار طلب أن تكون هي الآمرة صريحاً . والاستئذان طلب أن تأذن ولا تمنع وأدناه السكوت . وإنما المراد استئذان البكر البالغة دون الصغيرة . كيف ولا رأي لها . قد زوج أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عائشة من رسول الله صلى الله وسلم عليه وهي بنت ست سنين انتهى .
لمن كان كفؤاً لحديث علي عند الترمذي أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : ثلاث لا يؤخرن : الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على اعتبار الكفاءة في النسب . بل يحمل على أن المرأة إذا وجدت لها كفؤاً ترضى خلقه ودينه كما سيأتي ، وأخرج الحاكم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله وسلم عليه قال العرب أكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل إلا حائك أو حجام وفي إسناده رجل مجهول . وقال أبو حاتم أنه كذب لا أصل له . وذكر الحفاظ أنه موضوع وقد أوضح الكلام عليه الماتن في كتابه في الموضوعات الذي سماه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ولكن رواه البزار في مسنده من طريق أخرى عن معاذ بن جبل رفعه العرب بعضها أكفاء لبعض وفيه سليمان بن أبي الجون . ويغني عن ذلك مافي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ولكن ليس فيه دلالة على المطلوب ، لأن إثبات كون البعض خيراً من بعض لايستلزم أن الأدنى غير كفؤ للأعلى . وهكذا حديث إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد اسمعيل واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم فإن هذا الاصطفاء لا يدل على أن الأدنى غير كفوء للأعلى وأخرج الترمذي من حديث أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، قالوا : يا رسول الله وإن كان فيه قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات وقد حسنه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب * ونقل المناوي عن البخاري أنه لم يعده محفوظاً . وعده أبو داود في المراسيل . وأعله ابن القطان بالإرسال وضعف راويه وأبو حاتم المزني له صحبة ولا يعرف له عن النبي صلى الله وسلم عليه غير هذا الحديث . وأخرج الدارقطني عن عمر أنه قال : لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء .
أقول : استدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن فتاة جاءت إلى رسول الله صلى الله وسلم عليه فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمر النساء شئ وأخرجه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة . ومحل الحجة منه قولها ليرفع بي خسيسته ، فإن ذلك مشعر بأنه غير كفؤاً لها ولا يخفى أن هذا إنما هو من كلامها وإنما جعل النبي صلى الله وسلم عليه الأمر إليها بكون رضاها معتبراً . فإذا لم ترض لم يصح النكاح سواء كان المعقود له كفؤاً أو غير كفؤ . وأيضاً هو زوجها بابن أخيه وابن عم المرأة كفؤ لها . واستدل على اعتبار الكفاءة في النسب بما أخرجه أحمد والنسائي وصححه وابن حبان والحاكم من حديث بريدة مرفوعاً : أن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال وبما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة مرفوعاً : الحسب المال والكزم التقوى ويحتمل أن يكون المراد أن هذا هو الذي يعتبره أهل الدنيا كما صرح به في حديث بريدة . وأن هذا حكاية عن صنيعهم واغترارهم بالمال وعدم اعتدادهم بالدين . فيكون في حكم التوبيخ لهم والتقريع . وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم زوج مولاه زيد بن حارثة بزينب بنت جحش القرشية . وزوج أسامة بن زيد بفاطمة بنت قيس القرشية . وزوج عبد الرحمن بن عوف بلالاً بأخته . وأخرج أبو داود . أن أبا هند حجم النبي صلى الله وسلم عليه فقال يا بني بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه أخرجه أيضاً الحاكم وحسنه ابن حجر في التلخيص . وأخرج البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة : أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار . قال رسول الله صلى الله وسلم عليه : إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة .
قال في الحجة البالغة : أقول : ليس في هذا الحديث أن الكفاءة غير معتبرة كيف وهي مما جبل عليه طوائف الناس وكاد يكون القدح فيها أشد من القتل . والناس على مراتبهم والشرائع لا تهمل مثل ذلك ولذلك قال عمر لأمنعن النساء إلا من أكفائهن ولكنه أراد أن لا يتبع أحد محقرات الأمور نحو قلة المال ورثاثة الحال ودمامة الجمال . أو يكون ابن أم ولد ونحو ذلك من الأسباب . بعد أن يرضى دينه وخلقه . فإن أعظم مقاصد تدبير المنزل الاصطحاب في خلق حسن . وأن يكون ذلك الاصطحاب سبباً لصلاح الدين .
وقال في المسوى في باب الكفاءة : قال الله تعالى أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون وقال تعالى أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون قلت : هذه الآيات تدل على تفاوت مراتب الناس . وإن ذلك أمر ثابت فيهم ولم يرده الله تعالىفكان تقريراً . ثم اختلفوا في تحديد المعاني التي يقع بها التفاوت . فذهب أكثرهم إلى أنها أربعة : الدين والحرية والنسب والصناعة . والمراد من الدين الإسلام والعدالة . واعتبر الشافعي السلامة من العيوب المثبتة للخيار أيضاً ومعنى اعتبار الكفاءة عند أبي حنيفة أن المرأة إذا زوجت نفسها من غير الكفؤ فللأولياء أن يفرقوا بينهما . وعند الشافعي أن أحد الأولياء المستوين إذا زوجها برضاها من غير كفؤ لم يصح . وفي قول يصح . ولهم الفسخ إذا زوج الأب بكراً صغيرة أو بالغة بغير رضاها وفيه القولان أيضاً انتهى .
أقول : قوله صلى الله وسلم عليه من ترضون دينه وخلقه فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق . وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز . ويدل عليه قوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور . وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضاً . والعرب كذلك . وليس أحد من العرب كفؤاً لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفؤاً للعرب . وهو وجه للشافعية .قال في الفتح . والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم . ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض . قال الشافعي : ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث . وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض فإسناده ضعيف . قال في الفتح واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر انتهى .
وأعلى الصنائع المعتبرة في الكفاءة في النكاح على الإطلاق العلم لحديث العلماء ورثة الأنبياء أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء وضعفه الدارقطني في العلل . قال المنذري هو مضطرب الإسناد . وقد ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد . والقرآن الكريم شاهد صدق على ما ذكرناه فمن ذلك قوله تعالى هل يستوي الذين يعلمون وقوله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة منها حديث خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا وقد تقدم .
وبالجملة إذا تقرر لك هذا عرفت أن المعتبر هو الكفاءة في الدين والخلق لا في النسب . لكن لما أخبر صلى الله وسلم عليه بأن حسب أهل الدنيا المال وأخبر صلى الله وسلم عليه كما ثبت في الصحيح عنه أن في أمته ثلاثاً من أمر الجاهلية الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة كان تزوج غير الكفوء في النسب والمال من أصعب ما ينزل بمن لم يؤمن بالله واليوم الآخر . قال الماتن رحمه الله ومن هذا القبيل استثناء الفاطمية من قوله ويغتفر برضا الأعلى والولي . وجعل بنات فاطمه رضي الله عنها أعلى قدراً وأعظم شرفاً من بنات رسول الله صلى الله وسلم عليه لصلبه فيا عجباً كل العجب من هذه التعصبات الغربية والتصلبات على أمر الجاهلية وإذا لم يتركها من عرف أنها من أمور الجاهلية من أهل العلم فكيف يتركها من لم يعرف ذلك . والخير كل الخير في الإنصاف والانقياد لما جاء به الشرع . ولهذا أخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن رسول الله صلى الله وسلم عليه أنه قال أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس فهذا نص في محل الخلاف . أنظر أمهات العترة الطاهرة الذين هم قدوة السادة وأسوة القادة في كل خير ودين من كن فأم أبي العترة الإمام زين العابدين على بن الحسين شهريانو بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن خسروبرويز بن هرمز بن نوشيروان ملك الفرس . وأم الإمام موسى الكاظم أم ولد اسمها حميدة . وأم الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم أم ولد أيضاً اسمها تكتم . وأم الإمام علي بن محمد بن على المذكور الملقب بالجواد والتقي أم ولد اسمها خيزران وقيل ريحانة . وأم الإمام علي بن محمد الملقب بالهادي والعسكري أم ولد اسمها سمانة . وأم الإمام حسن بن علي الملقب بالزكي والخالص والعسكري أم ولد اسمها سوسن . وأم الإمام محمد بن حسن الملقب بالحجة والقائم والمهدي أم ولد اسمها نرجس . وهكذا كان شأن التزوج في أصحاب رسول الله صلى الله وسلم عليه لم يعرج أحد منهم على الكفاءة في النسب وإنما أخذ بذلك الجهلة من الأمة لا سيما أهل القرى والقصبات من نسل العترة والصحابة رضي الله عنهم أجمعين * وأكثرهم خائضون في الباطل عاطلون عن حلي العلم الموصل إلى الحق . وكان أمر الله قدراً مقدوراً .
و تخطب الصغيرة إلى وليها لما في صحيح البخاري وغيره عن عروة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر .
ورضا البكر صمتها لما تقدم من الأحاديث الصحيحة .
وتحرم الخطبة في العدة لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله صلى الله وسلم عليه سكنى ولا نفقة وقال لها رسول الله صلى الله وسلم عليه إذا حللت فآذنيني فآذنته الحديث وهو في صحيح مسلم وغيره . وأخرج البخاري عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى فيما عرضتم به من خطبة النساء قال : يقول إني أريد التزويج ولوددت أنه ييسر لي امرأة صالحة . وأخرج الدارقطني عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنه دخل رسول الله صلى الله وسلم عليه على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال لقد علمت أني رسول الله وخيرته من خلقه وموضعي من قومي وكانت تلك خطبته والحديث منقطع ، قال في الفتح : واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها وأما الرجعية فقال الشافعي . لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها .
والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض مباح في الأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن .
و الخطبة على الخطبة لحديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله وسلم عليه قال المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن ان يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر وهو في صحيح مسلم وغيره وأخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك . وأخرج أيضاً من حديث ابن عمر لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له وقد ذهب إلى تحريم ذلك الجمهور .
ويجوز له النظر إلى المخطوبة لحديث المغيرة عند أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والدارمي وابن حبان وصححه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله وسلم عليه انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما فأتى أبويها فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله وسلم عليه فكأنهما كرها ذلك فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت إن كان رسول الله صلى الله وسلم عليه أمرك أن تنظر فانظر وإلا فإني أنشدك كأنها عظمت ذلك عليه فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها ذكره أحمد وأهل السنن . وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال كنت عند النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً وفي الباب أحاديث .
ولا نكاح إلا بولي لحديث أبي موسى عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه عن النبي صلى الله وسلم عليه قال : لانكاح إلا بولي وحديث عائشة عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وأبي عوانة أن النبي صلى الله وسلم عليه قال أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له وفي الباب أحاديث . قال الحاكم وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله وسلم عليه عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابياً .
أقول الأدلة الدالة على اعتبار الولي وأنه لا يكون العاقد سواه وأن العقد من المرأة لنفسها بدون إذن وليها باطل قد رويت من طريق جماعة من الصحابة فيها الصحيح والحسن وما دونهما فاعتباره متحتم . وعقد غيره مع عدم عضله باطل بنص الحديث لا فاسد على تسليم أن الفساد واسطة بين الصحة والبطلان . ولا يعارض هذه الأحاديث حديث الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن ونحوه كحديث ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر لأن المراد أنها أحق بنفسها في تعيين من تريد نكاحه إن كانت ثيباً ، والبكر يمنعها الحياء من التعيين فلا بد من استئذانها ، وليس المراد أن الثيب تزوج نفسها أو توكل من يزوجها مع وجود الولي فعقد النكاح أمر آخر . وبهذا تعلم أن لا وجه لما ذهبت إليه الظاهرية من اعتبار الولي في البكر دون الثيب والولي عند الجمهور هو الأقرب من العصبة وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء .
أقول الذي ينبغي التعويل عليه عندي هو أن يقال إن الأولياء هم قرابة المرأة الأدنى فالأدنى الذين يلحقهم الغضاضة إذا تزوجت بغير كفء وكان المزوج لها غيرهم . وهذا المعنى لا يختص بالعصبات بل قد يوجد في ذوي السهام كالأخ لأم وذوي الأرحام كابن البنت . وربما كانت الغضاضة معهما أشد منها مع بني الأعمام ونحوهم فلا وجه لتخصيص ولاية النكاح بالعصبات كما أنه لا وجه لتخصيصها بمن يرث ومن زعم ذلك فعليه الدليل أو النقل بأن معنى الولي في النكاح شرعاً أو لغة هو هذا وأما ولاية السلطان فثابتة بحديث إذا تشاجر الأولياء فالسلطان ولي من لا ولي لها فهذا الحديث وإن كان فيه مقال فهو لا يسقط به عن رتبة الاستدلال وهو يدل على حكمين ، الأول : أن تشاجر الأولياء يوجب بطلان ولا يتهم ويصيرهم كالمعدومين . الثاني : أنهم إذا عدموا كانت الولاية للسلطان وإذا تحرر لك ما ذكرناه في الأولياء فاعلم أن من غاب منهم عند حصور الكفء ورضا المكلفة به ولو في محل قريب إذا كان خارجاً عن بلد المرأة ومن يريد نكاحها فهو كالمعدوم : والسلطان ولي من لا ولي له اللهم إلا أن ترضى المرأة ومن يريد الزواج بالانتظار لقدوم الغائب . فذلك حق لهما وإن طالت المدة . وأما مع عدم الرضا فلا وجه لايجاب الانتظار ولا سيما مع حديث ثلاث لا يؤخرن إذا حانت منها الأيم إذا حضر كفؤها كما أخرجه الترمذي والحاكم . وجميع ما ذكر من تلك التقديرات بالشهر وما دونه ليس على شئ منها أثارة من علم . ومع ذلك فالقول بأن غيبة الولي الموجبة لبطلان حقه هي الغيبة التي يجوز الحكم معها على الغائب هو قول مناسب إذا صح الدليل على أنه لايجوز الحكم على الغائب إلا اذا كان في مسافة القصر فإن لم يصح دليل على ذلك فالواجب الرجوع إلى ما ذكرناه فإن قلت إذا كان ولي النكاح هو أعم من العصبات كما ذكرته فما وجهه ؟ قلت وجهه أنا وجدنا الولاية قد أطلقت في كتاب الله تعالى على ما هو أعم من القرابة والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ووجدناها قد أطلقت في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو أخص من ذلك قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : السلطان ولي من لا ولي له ولا ريب أنه لم يكن المراد في الحديث مافي الآية وإلا لزم أنه لا ولاية للسلطان إلا عند عدم المؤمنين . وهو باطل ، لأنه أحدهم بل له مزية عليهم لا توجد في أفرادهم ، وإذا ثبت أنه لم يكن المراد بالولي في الحديث الأولياء المذكورين في الآية فليس بعض من يصدق عليه اسم الإيمان أولى من بعض إلا بالقرابة ، ولا ريب أن بعض القرابة أولى من بعض ، وهذه الأولوية ليست باعتبار استحقاق نصيب من المال أو استحقاق التصرف فيه حتى يكون كالميراث أو كولاية الصغير ، بل باعتبار أمر آخر وهو ما يجده القريب من الغضاضة التي هي العار اللاصق به وهذا لا يختص بالعصبات كما بينا بل يوجد في غيرهم ، ولا شك أن بعض القرابة أدخل في هذا الأمر من بعض فالآباء والأبناء أولى من غيرهم ثم الأخوة لأبوين ثم الأخوة لأب أو لأم ثم أولاد البنات ثم أولاد الأخوة وأولاد الأخوات ثم الأعمام والأخوال ثم هكذا من بعد هؤلاء ومن زعم الاختصاص بالبعض دون البعض فليأتنا بحجة وإن لم يكن بيده إلا مجرد أقوال من تقدمه فلسنا ممن يعول على ذلك وبالله التوفيق *
قال في الحجة : وفي اشتراط الولي في النكاح تنويه أمرهم . واستبداد النساء بالنكاح وقاحة منهن منشؤها قلة الحياء واقتصاب على الأولياء وعدم اكثرات بهم . وأيضاً يجب أن يميز النكاح من السفاح بالتشهير وأحق التشهير أن يحضر أولياؤها ولا يجوز أن يحكم في النكاح النساء خاصة لنقصان عقلهن وسوء فكرهن فكثيراً ما لا يهتدين للمصلحة ولعدم حماية الحسب منهن غالباً فربما رغبن في غير الكفء وفي ذلك عار على قومها فوجب أن يجعل للأولياء شئ من هذا الباب لتسد المفسدة ، وأيضاً فإن السنة الفاشية في الناس من قبل ضرورة أنهن عوان بأيديهم وهو قوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض انتهى .
قال الشافعي : لا ينعقد نكاح امرأة إلا بعبارة الولي القريب ، فإن لم يكن فبعبارة الولي البعيد ، فإن لم يكن فبعبارة السلطان ، فإن زوجت نفسها أوغيرها بإذن الولي أو بغير إذنه بطل ولم يتوقف . وتأويل قوله لا تنكح المرأة إلا بأذن وليها لا يزوجها إلا وكيل الولي ويفهم تزوجيها بنفسه بالأولى ، وقال أبو حنيفة : ينعقد نكاح المرأة الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد ولي بكراً كانت أو ثيباً وتأويل الحديث أنه يكره لها ذلك خشية أن تقصر في رعاية الكفاءة وغيرها أو تنسب إلى الوقاحة أو تأويله أن للولي حق الاعتراض في غير الكفء فمعنى قوله لا تنكح أي لا تستقل بنكاحها إلا بإذنه لأن له حق الاعتراض في غير الكفء . وقال محمد : ينعقد موقوفاً على إذنه كذا في المسوى .
وشاهدين لحديث عمران بن حصين عند الدارقطني والبيهقي في العلل وأحمد في رواية ابنه عبد الله عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك . وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له وإسناده ضعيف وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة وصحح الترمذي وقفه . وهذه الأحاديث وما ورد في معناها يقوي بعضها بعضاً وقد ذهب إلى ذلك الجمهور . قال في شرح السنة أكثر أهل العلم على أن النكاح لاينعقد إلا ببينة ولا ينعقد حتى يكون الشهود حضوراً حالة العقد واختلفوا في صفة الشهود قال الشافعي : لا ينعقد إلا بمشهد رجلين عدلين . وقال أبو حنيفة ، ينعقد برجل وامرأتين وبفاسقين كذا في المسوى وفي الموطأ في باب لا يحل نكاح السر مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت .
إلا أن يكون الولي عاضلاً أو غير مسلم لقوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ولتزوجه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان من غير وليها لما كان كافراً حال العقد .
ويجوز لكل واحد من الزوجين أن يوكل لعقد النكاح ولو واحداً لحديث عقبة ابن عامر عند أبي داود أن النبي صلى الله وسلم عليه قال لرجل أترضى أن أزوجك فلاناً قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلاناً قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه الحديث وقد ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث وأبو ثور . وحكي في البحر عن الشافعي وزفر أنه لا يجوز . وقال في الفتح وعن مالك لو قالت المرأة لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أو ممن اختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين الزوج . وقال الشافعي : يزوجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أقعد منه ووافقه زفر . وأما استحباب النثار فأقول لم يصح في ذلك شئ كما أوضحه في النيل والسيل ولا بأس بنثر شئ من المأكولات فهو من جملة الإطعام المندوب إنما الشأن في الحكم بمشروعية انتهابه مع ورود الأحاديث الصحيحة بالنهي عن النهي . والظاهر أن هذا نوع منها ولم يرد ما يدل على التخصيص لا من وجه صحيح ولا حسن بل ولا ضعيف ينجبر . وأما إجابة الوليمة فأحاديث الأمر بالإجابة صحيحة ولم يأت ما يقتضي صرفها عن الوجوب نعم الولائم المشوبة بالمنكرات مع عدم القدرة على التغيير لا يجوز حضورها كما يدل عليه حديث النهي عن الجلوس على المائدة التي تدار عليها الخمر وسائر المعاصي تقاس على ذلك *
فصل حكم نكاح المتعة
ونكاح المتعة قال في الحجة رخص فيها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أياماً ثم نهى عنها . أما الترخيص أولاً فلملكان حاجة تدعو إليه كما ذكره ابن عباس فيمن يقدم بلدة ليس بها أهله أشار ابن عباس أنها لم تكن يومئذ استئجاراً على مجرد البضع بل كان ذلك مغموراً في ضمن حاجات من باب تدبير المنزل ، كيف والإستئجار على مجرد البضع انسلاخ عن الطبيعة الإنسانية ووقاحة يمجها الباطن السليم . وأما النهي عنها فلارتفاع تلك الحاجة في غالب الأوقات وأيضاً ففي جريان الرسم به اختلاط الأنساب لأنها عند انقضاء تلك المدة تخرج من حيزه ويكون الأمر بيدها فلا يدري ماذا تصنع وضبط العمدة في النكاح الصحيح الذي بناؤه على التأييد في غاية العسر ، فما ظنك بالمتعة وإهمال النكاح الصحيح المعتبر في الشرع فإن أكثر الراغبين في النكاح غالب داعيتهم قضاء شهوة الفرج . وأيضاً فإن من الأمر الذي يتميز به النكاح من السفاح التوطين على المعاونة الدائمة وإن كان الأصل فيه قطع المنازعة فيها على أعين الناس انتهى .
في شرح السنة اتفق العلماء على تحريم المتعة وهو كالإجمال بين المسلمين .
منسوخ فإنه لا خلاف أنه قد كان ثابتاً في الشريعة كما صرح بذلك القرآن فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ولما في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال كنا نغرو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل وفي الباب أحاديث . وثبت النسخ من حديث جماعة فأخرج مسلم وغيره من حديث سبرة الجهني أنه غزا مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فتح مكة فأذن لهم رسول الله صلى الله وسلم عليه في النساء قال فلم يخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله وسلم عليه وفي لفظ من حديثه وأن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة وأخرج الترمذي عن ابن عباس إنما كانت المتعة في أول الإسلام حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وفي الصحيحين من حديث علي أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى عن متعة النساء يوم خيبر والأحاديث في هذا الباب كثيرة والخلاف طويل وقد استوفاه الماتن في نيل الأوطار . ورواية من روى تحريمها إلى يوم القيامة هي الحجة في هذا الباب وهذا نهي مؤبد وقع في آخر موطن من المواطن سافر فيها رسول الله صلى الله وسلم عليه وتعقبه موته بعد أربعة أشهر فوجب المصير إليه ولا يعارضه ما روي عن بعض الصحابة أنهم ثبتوا على المتعة في حياته صلى الله وسلم عليه وبعد موته إلى آخر أيام عمر كما زعمه صاحب ضوء النهار . فإن من النسخ المؤبد حجة على من لم يعلم واستمرار من استمر عليها إنما كان لعدم علمه بالناسخ . وأما ما صار يهول به جماعة من المتأخرين من أن تحليل المتعة قطعي وحديث تحريمها على التأبيد ظني والظني لا ينسخ القطعي ، حتى قال المقبلي أن الجمهور لم يجدوا جواباً على هذا فيقال : إن كان كون التحليل قطعياً لكونه منصوصاً عليه في الكتاب العزيز فذلك وإن كان قطعي المتن فليس بقطعي الدلالة لأمرين أحدهما : أنه يمكن حمله على الإستمتاع بالنكاح الصحيح . الثاني : أنه عموم وهو ظني الدلالة على أنه قد روى الترمذي عن ابن عباس أنه قال إنما كانت المتعة حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام وهذا يدل على التحريم بالقرآن فيكون ما هو قطعي المتن ناسخاً لما هو قطعي المتن ، وإن كان التحليل قطعياً لكونه قد وقع الإجماع من الجميع عليه في أول الأمر فيقال وقد وقع الإجماع أيضاً عل التحريم في الجملة عند الجميع وإنما الخلاف في التأبيد هل وقع أم لا وكون هذا التأبيد ظنياً لا يستلزم ظنية التحريم الذي وقع النسخ به . فالحاصل أن الناسخ للتحليل المجمع عليه هو التحريم المجمع عليه المقيد بقيد ظني وهو التأبيد . فالناسخ والمنسوخ قطعيان هذا على التسليم ناسخ القطعي لا يكون إلا قطعياً كما قرره جمهور أهل الأصول ، وأن كنت لا أوافقهم على ذلك .
والتحليل حرام لحديث ابن مسعود عند أحمد والنسائي والترمذي وصححه قال : لعن رسول الله صلى الله وسلم عليه المحلل والمحلل له وصححه أيضاً ابن القطان وابن دقيق العيد وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثه أخرجها اسحق في مسنده . وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه ابن السكن من حديث علي مثله . وخرج ابن ماجه والحاكم من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال : هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له وفي إسناده يحيى بن عثمان وهو ضعيف ، وقد أعل بالإرسال وأخرج أحمد والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم والترمذي في العلل من حديث أبي هريرة نحوه وحسنه البخاري وأخرج الحاكم والطبراني في الأوسط من حديث عمر انهم كانوا يعدون التحليل سفاحاً في عهد رسول الله صلى الله وسلم عليه . قال في تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين رواه ابن ماجه بإسناد رجاله موثقون وصح عن عمر أنه قال : لا أوتي بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما . رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفهما وابن المنذر في الأوسط وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال كلاهما زان . والكلام في ذلك عن الصحابة والتابعين طويل قد أطال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الكلام عليه وأفرده مصنفاً سماه بيان الدليل على إبطال التحليل انتهى .
أقول حديث لعن المحلل مروي من طريق جماعة من الصحابة بأسانيد بعضها صحيح وبعضها حسن واللغن لا يكون إلا على أمر جائز في الشريعة المطهرة بل على ذنب هو من أشد الذنوب . فالتحليل غير جائز في الشرع ولو كان جائزاً لم يلعن فاعله والراضي به وإذا كان الفاعل يدل على تحريم فعله لم تبق صيغة تدل على التحريم قط ، وإذا كان هذا الفعل حراماً غير جائز في الشريعة فليس هو النكاح الذي ذكره الله في قوله حتى تنكح زوجاً غيره كما أنه لوقال لعن الله بائع الخمر لم يلزم من لفظ بائع أنه قد جاز بيعه وصار من البيع الذي أذن فيه بقوله وأحل الله البيع والأمر ظاهر . قال ابن القيم ونكاح المحلل لم يبح في ملة من الملل قط ولم يفعله أحد من الصحابة ولا أفتى به واحد منهم . ثم سل من له أدنى اطلاع على أحوال الناس كم من حرة مصونة أنشب فيها المحلل مخالب إرادته فصارت له بعد الطلاق من الأخدان ، وكان بعلها منفرداً بوطئها فإذا هو والمحلل ببركة التحليل شريكان ، فلعمر الله كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء بين مرامين العشراء والحرماء ، ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها ، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها ، وعناق القنا دون عناقها ، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها ، وأما هذه الأزمان التي شكت الفروج فيها إلى ربها من مفسدة التحليل ، وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رمد بل عمى في عين الدين ، وشجا في حلوق المؤمنين من قبائح تشمت أعداء الدين به وتمنع كثيراً ممن يريد الدخول فيه بسببه ، بحيث لا يحيط بتفاصليها خطاب ، ولا يحصرها كتاب ، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح ويعدونها من أعظم الفضائح ، قد قلبت من الدين رسمه ، وغيرت منه اسمه وضمخ ، التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل ، وزعم أنه قد طيبها للتحليل ، فيالله العجب ، أي طيب أعارها هذا التيس الملعون ، وأي مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدون ، إلى غير ذلك انتهى . وقد أطال رحمه الله تعالى في تخريج أحاديث التحليل في إعلام الموقعين إطالة حسنة فليراجع .
وكذلك الشغار لثبوت النهي عنه كما في حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم نهى عن الشغار وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الشغار ، والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك وأزوجك أختي وأخرج مسلم أيضاً من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله وسلم عليه قال لا شغار في الإسلام وفي الباب أحاديث . قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته والجمهور على البطلان . قال الشافعي هذا النكاح باطل كنكاح المتعة . وقال أبو حنيفة جائز ولكل واحد منهما مهر مثلها انتهى .
أقول النهي عن الشغار ثابت بالأحاديث الصحيحة من طرق جماعة من الصحابة . وعلى كل حال فكون الشغار من مفسدات العقد غير مناسب لما تقرر في الأصول ، لأن النهي عن الشغار يقتضي قبحه أو تحريمه أو فساده على اختلاف الأقوال ، وإذا اقتضى ذلك وجب على كل واحد من الزوجين توفير المهر لزوجته بما استحل من فرجها ، فهو بمنزلة فساد التسمية ، وفسادها لا يستلزم فساد عقد النكاح ، والمهر ليس بشرط للعقد ، فالحكم بأن الشغار يفسد العقد غير مناسب ، لما تقرر في الأصول ، ولا موافق لقواعد الفروع ، ولو فرض أن النهي عن النكاح الذي فيه شغار لم يكن ذلك مقتضياً لفساد العقد لأن النهي ليس لذات العقد ولا لوصفه بل لأمر خارج عنه . وقد تقرر في الأصول أن ذلك لا يوجب الفساد .
ويجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة لحديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج وهو في الصحيحين وغيرهما . قلت : هو قول أكثر أهل العلم . وقالوا قوله صلى الله وسلم عليه إن أحق الشروط الخ خاص في شرط المهر إذا سمى لها مالاً في الذمة أو عيناً عليه أن يوفيها ما ضمن لها ، وفي الحقوق الواجبة التي هي مقتضى العقد وأما ما سوى ذلك مثل أن يشترط في العقد للمرأة أن لايخرجها من دارها ولا ينقلها من بلدها أو لا ينكح عليها أو نحو ذلك فلا يلزمه الوفاء به وله إخراجها ونقلها وأن ينكح عليها إلا أن يكون في ذلك يمين فليزمه اليمين كذا في المسوى .
أقول : الوفاء بمطلق الشروط مشروع قال تعالى أوفوا بالعقود وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً وهو حديث حسن . ولكن هذا المخصص المتصل أعني قوله إلا شرطاً الخ يدل على أن ما كان من الشروط بهذه الصفة لا يجب الوفاء به ، وكما يخصص عموم أول الحديث كذلك يخصص عموم الآية . ويؤيد هذا المخصص الحديث المتفق عليه بلفظ كل شرط ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله فهو باطل ولا يعارض هذا حديث أحق الشروط الخ وهو متفق عليه ووجه عدم المعارضة أن عموم هذا الحديث مخصص بما قبله من الحديثين الدالين على أن الشروط التي تحلل الحرام أو تحرم الحلال مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله لا يجب الوفاء بها سواء كانت في نكاح أو غيره لا كما قاله الجلال في ضوء النهار .
إلا أن يحل حراماً أو يحرم حلالاً فلا يحل الوفاء به كما ورد بذلك الدليل . وقد ثبت النهي عن اشتراط أمور كحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أويبيع على بيعة أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفىء ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : لا يحل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى .
ويحرم على الرجل أن ينكح زانية أو مشركة لقوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ولما أخرجه أحمد بإسناد رجاله ثقات والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله وسلم عليه في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه فقرأ عليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وأخرج أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه من حديث ابن عمر أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى الله وسلم عليه فقلت يا رسول الله ، انكح عناقاً قال فسكت عني فنزلت الآية والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها . وأخرج أحمد وأبو داود بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله قال ابن القيم أخذ بهذه الفتاوى التي لا معارض لها الإمام أحمد ومن وافقه ، وهي من محاسن مذهبه ، فإنه لم يجوز أن ينكح الرجل زوجاً تحبه ، ويعضد مذهبه بضعة وعشرون دليلاً قد ذكرناها في موضع آخر انتهى . وأخرج ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي الله تعالى عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا في النساء خيراً فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً وأخرج ابو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله وسلم عليه فقال : إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال : غربها قال : أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها قال المنذري ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين . قال ابن القيم عورض بهذا الحديث المتشابه الأحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزوج البغايا واختلفت مسالك المحرمين لذلك فيه فقالت طائفة المراد باللامس ملتمس الصدقة لا ملتمس الفاحشة . وقالت طائفة بل هذا في الدوام غير مؤثر ، وإنما المانع ورود العقد على الزانية فهذا هو الحرام . وقالت طائفة بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما . فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حراماً فأمره حينئذ بإمساكها إذ مواقعتها بعقد النكاح أقل فساداً من مواقعتها بالسفاح . وقالت طائفة بل الحديث ضعيف لا يثبت . وقالت طائفة ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية وإنما فيه أنها لا تمنع ممن يمسها أو يضع يده عليها أو نحو ذلك فهي تعطي الليان لذلك ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها الداعي إلى الفاحشة فأمره بفراقها تركاً لما يريبه إلى ما لا يريبه ، فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكها أرجح المسالك والله تعالى أعلم انتهى .
في المسوى أقول : الظاهر عندي أن مبنى اختلافهم هذا ، اختلافهم في مرجع ذلك في قوله حرم ذلك فقال أحمد مرجعه نكاح الزانية والمشركة . وقال غيره مرجعه الزنا والشرك . والمراد على هذا ، أن العادة قاضية بأن الزانية لا يرغب فيها إلا زان أو مشرك ، والزنا والشرك حرام على المؤمنين ، فنكاحها لا يليق بحال المؤمنين . ولا يقولون إن الحديث ناسخ ، بل يقولون أنه مبين لتأويل الآية ، ومع ذلك فلا يخلو عن بعد . في الكافي مذهب أحمد الزانية يحرم نكاحها كالمعتدة . وأما غير أحمد فقولهم جواز نكاح الفاجرة وإن كان الاختيار غير ذلك لحديث لا ترد يد لامس . قال الواحدي : عن أبي عبيد مذهب مجاهد أن التحريم لم يكن إلا على جماعة خاصة من فقراء المهاجرين أرادوا نكاح البغايا لينفقن عليهم . ومذهب سعد أن التحريم كان عاماً ثم نسخته الرخصة . وأورد أبو عبيد على هذا الحديث أنه خلآف الكتاب والسنة المشهورة لأن الله تعالى إنما أذن في نكاح المحصنات خاصة ثم أنزل في القاذف آية اللعان ، وسن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم التفريق بينهما فلا يجتمعان أبداً ، فكيف يأمر بالإقام